فخورة بديني
فخورة بديني
كل قول - ولو كان طيبا - لا يصدقه عمل لا يرفع إلى الله ،
ولا يحظى بقبوله ، ودليل ذلك:
{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }
أي: العمل الصالح يرفع الكلم الطيب ،
وهذا يبين لك سرا من أسرار قبول الخلق لبعض الواعظين، وإعراضهم عن آخرين .


* * *

عن قتادة في قوله :
{ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى } الأعلى 10/11
قال: والله ما خشي الله عبد قط إلا ذكره ،
ولا يتنكب هذا الذكر زهدا فيه وبغضا لأهله إلا شقي بين الشقاء .


* * *

{ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } الطارق / 9
وفي التعبير عن الأعمال بـ(السر) لطيفة ، وهو أن الأعمال نتائج السرائر ،
فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحا ، فتبدو سريرته على وجهه نورا وإشراقا ،
ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعا لسريرته ، فتبدو سريرته على وجهه سوادا وظلمة ،
وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته .


* * *

تأمل هذه الآية :
{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } آل عمران /31
إنها آية واضحة في بيان معيار المحبة والاتباع الحقيقي للنبي صلى الله عليه وسلم ،
فلا يصح لأحد أن يزايد على هذه المحبة بفعل ما لم يشرعه ،
فضلا عن الابتداع في دينه بدعوى المحبة ،
وأشد من ذلك أن يقلب الأمر فيوصف من لم يوافق المبتدع على بدعته ،
بأن محبته للنبي صلى الله عليه وسلم ناقصة .

* * *

{ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ }
عبر بالإدراك أولا ، وبالسبق ثانيا ؛
لمناسبة حال الشمس من بطء السير ، وحال القمر من سرعته .


* * *

{ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّماً }
فقوله ( قَيِّماً ) أي: مستقيما لا ميل فيه ، ولا زيغ، وعليه :
فهو تأكيد لقوله : ( وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ) لأنه قد يكون الشيء مستقيما في الظاهر ،
وهو لا يخلو من اعوجاج في حقيقة الأمر ،
ولذا جمع تعالى بين نفي العوج ، وإثبات الاستقامة .


* * *

{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً } الإنسان/9
قال ابن عباس :
كذلك كانت نياتهم في الدنيا حين أطعموا .
وقال مجاهد : أما إنهم ما تكلموا به ، ولكن علمه الله منهم ،
فأثنى به عليهم ، ليرغب في ذلك راغب .


* * *

قال محمد بن عوف الحمصي :
رأيت أحمد بن أبي الحواري قام يصلي العشاء
، فاستفتح بـ { الْحَمْدُ للّهِ } إلى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
فطفت الحائط كله ، ثم رجعت ، فإذا هو لا يجاوزها ثم نمت ،
ومررت في السحر ، وهو يقرأ : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } فلم يزل يرددها إلى الصبح .


* * *

{ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } الواقعة/64
حتى الكلمة الطيبة تلقيها فالله يزرعها في القلوب .

* * *

{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ } البقرة /188
والمراد من الأكل ما يعم الأخذ والاستيلاء ،
وعبر به ؛ لأنه أهم الحوائج ، وبه يحصل إتلاف المال غالبا ،
والمعنى : لا يأكل بعضكم مال بعض ، فهو كقوله تعالى: { وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } الحجرات/11.


* * *

{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } محمد /10،
أمر الله بالسير ، والسير ينقسم إلى قسمين : سير بالقدم ، وسير بالقلب .
أما السير بالقدم : فبأن يسير الإنسان في الأرض على أقدامه ،
أو راحلته لينظر ماذا حصل للكافرين وما صارت إليه حالهم .
وأما السير بالقلب : فبالتأمل والتفكر فيما نقل من أخبارهم .


* * *

تأمل سر التعبير عن العيشة بأنها راضية في قوله :
{ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } الحاقة /21
فالوصف بها أحسن من الوصف بالمرضية ؛ فإنها اللائقة بهم ،
فكأن العيشة رضيت بهم كما رضوا بها وهذا أبلغ من مجرد كونها مرضية فقط ،
فتأمله .


* * *

قال تعالى:
{ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } الأعراف /78
وقال:
{ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } هود /67
فحين ذكر الرجفة - وهي الزلزلة الشديدة - ذكر الدار مفردة ( فِي دَارِهِمْ )
ولما ذكر الصيحة جمع الدار ( فِي دِيَارِهِمْ )
وذلك لأن الصيحة يبلغ صوتها مساحة أكبر مما تبلغ الرجفة التي تختص بجزء من الأرض ؛
فلذلك أفردها مع الرجفة , وجمعها مع الصيحة .


* * *

تأمل قوله تعالى : { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ } الحجر/32
ففيه :
أن تخلف الإنسان عن العمل الصالح وحده أكبر وأعظم .


* * *

{ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ
وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } الحشر /10
ذكر الله في هذا الدعاء نفي الغل عن القلب ، الشامل لقليل الغل وكثيره ،
الذي إذا انتفى ، ثبت ضده ، وهو المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصح ،
ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمنين .


* * *

إظهار الافتقار ، والإقرار بالذنب من أسباب إجابة الدعاء ،
تأمل كيف جمعها يونس عليه السلام في ذلك الدعاء العظيم :
{ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَه ُ... } الأنبياء /87، 88 ؟
ولهذا كان سيد الاستغفار من أفضل الأدعية لتضمنه هذا المعنى .


* * *

تأمل كيف تكون قوة الصلة بالقرآن!
في محاضرة واحدة فقط استدل سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - فيها بأكثر من مائة آية .


* * *

تأمل هذه الآيات الثلاث جيدا ، وانظر بم ختمت الآية الثالثة منها :
{ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ
لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا
وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } الأحزاب/60
ونقترح أن تقرأ تفسير ابن كثير لهذه الآية .

* * *

{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } الجمعة /5
قال الضحاك : كتبا لا يدري ما فيها ! ولا يدري ما هي !
هذا مثل ضربه الله لهذه الأمة ، أي: وأنتم إن لم تعملوا بهذا الكتاب ، كان مثلكم كمثلهم .


* * *

{ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } الكهف /100
وجاءت كلمة نكرة ، والمعنى : عرضا عظيما تتساقط منه القلوب ،
ومن الحكم في ذكر ذلك :
أن يصلح الإنسان ما بينه وبين الله ، وأن يخاف من ذلك اليوم ،
ويستعد له ، وأن يصور نفسه وكأنه تحت قدميه .


* * *

لما قال العبد بتوفيق ربه : { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }
قيل له : { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } هو مطلوبك ، وفيه أربك وحاجتك ،
وهو الصراط المستقيم : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }
القائلين: { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } والخائفين من حال المغضوب عليهم والضالين .


* * *

{ وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى ... الآية } القصص /20
انظر كيف جمعت هذه الآية صفات الدعاة الناصحين :
حرص على مصلحة الناس ، ودفع ما يضرهم ،
ويتحملون التعب والمشقة من أجلهم ، ويقترحون الحلول المناسبة لحل المشاكل .


* * *

{ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ } القلم /16
عبر بالوسم على الخرطوم - وهو الأنف - عن غاية الإذلال والإهانة ؛
لأن السمة على الوجه شين وإذالة ، فكيف بها على أكرم موضع منه ؟!


* * *

أقسم الله على شدة جحود الإنسان بالعاديات ضبحا ,
ومناسبة ذلك تذكير الجاحد بأن الخيل لا ينسى فضل مالكه عليه ,
فيورد نفسه المهالك لأجله تقديرا لنعمة المنعم ،
فلا تكن البهيمة خيرا وأوفى منك أيها الإنسان .


* * *

{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }
والجلباب الذي يكون فوق الثياب كالملحفة والخمار ونحوها ،
أي: يغطين بها وجوههن وصدورهن ،
ثم ذكر حكمة ذلك بقوله : { ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ }
لأنهن إن لم يحتجبن ، ربما ظن أنهن غير عفيفات ،
فيتعرض لهن من في قلبه مرض ، فيؤذيهن ، وربما استهين بهن ،
فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن .


* * *

{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ } المدثر / 38 ، 39
أي : كل نفس مرتهنة بعملها السيئ إلا أصحاب اليمين ،
فإنه قد تعود بركات أعمالهم الصالحة على ذراريهم ،
كما في الآية (21) من سورة الطور :
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ }
أي : ألحقنا بهم ذرياتهم في المنزلة الرفيعة في الجنة ،
وإن لم يكونوا قد شاركوهم في الأعمال ، بل في أصل الإيمان .


* * *

{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ }
وعبر بالنبي دون اسمه صلى الله عليه وسلم ،
على خلاف الغالب في حكايته تعالى عن أنبيائه عليهم السلام ؛
إشعارا بما اختص به صلى الله عليه وسلم من مزيد الفخامة والكرامة وعلو القدر ،
وأكد ذلك الإشعار بـ(أل) إشارة إلى أنه المعروف الحقيق بهذا الوصف .


* * *

سئلت أخت أسلمت قريبا عن أعظم آية تستوقفها بعد هدايتها للإسلام ؟
فقالت : هي الآية ( 163 ) من سورة آل عمران :
{ هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }.
نسأل الله لنا ولها الثبات على دينه .

* * *

قوله عز وجل: { أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } فصلت/9
وخلقها في يومين أدل على القدرة والحكمة من خلقها دفعة واحدة في طرفة عين ؛
لأنه أبعد من أن يظن أنها خلقت صدفة ؛ وليرشد خلقه إلى الأناة في أمورهم .


* * *

{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } الطلاق/2
قال ابن مسعود : مخرجه أن يعلم أنه من قبل الله ،
وأن الله هو الذي يعطيه ، وهو يمنعه ، وهو يبتليه ،
وهو يعافيه ، وهو يدفع عنه .


* * *
فخورة بديني
فخورة بديني
كان السلف لعظم خوفهم من الله ،
وشدة قلقهم من لحظة وقوفهم أمام الله جل جلاله ،
يتمنون أنهم لم يخلقوا ،
كما قال الفاروق رضي الله عنه لما سمع رجلا يقرأ :
{ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً }
فقال عمر: ليتها تمت ، أي : ليتني لم أكن شيئا مذكورا .
فهل مرّ بك هذا الشعور أخي وأنت تقرأ هذه الآية ؟

* * *

تأمل في قول فتية أهل الكهف :
{ وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً }
طلبوا من الله أن يجعل لهم من ذلك العمل رشدا ، مع كونه عملا صالحا ،
فما أكثر ما يقصر الإنسان فيه ، أو يرجع على عقبيه ، أو يورثه العجب والكبر ! .


* * *

لما حضرت الإمام نافعا المدني - وهو أحد القراء السبعة – الوفاة ،
قال له أبناؤه : أوصنا ! قال :
{ اتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }.
فما أجمل أن تتضمن وصايانا لأهلنا وأولادنا وصايا قرآنية ،
فهي أعلى وأغلى أنواع الوصايا ، وأعظمها أثرا .

* * *

أبو بكر الصديق هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن ؛
لأن الله تعالى يقول :
{ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً
وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } الحشر / 8
فمن سماه الله صادقا فليس يكذب ، وقد ناداه الصحابة : فقالوا : يا خليفة رسول الله .


* * *

يقول أحد الإخوة :
كم من معصية في الخفاء منعني منها قوله تعالى :
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } الرحمن/ 46
آية واحدة تغني عن كثير من المواعظ .

* * *

في قوله تعالى في أول سورة الفجر :
{ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ } أي : عقل ،
فنأخذ منها معنى يحسن التنبيه إليه :
وهو أن القرآن يخاطب العقول ، وبالتالي فلا تناقض بين هداية القرآن ودلالة العقل ،
بل العقل الرشيد الصادق لا تخطئ دلالته ، ولهذا أحالنا القرآن عليه :
{ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }، { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } .


* * *

الأمن : الطمأنينة مع زوال سبب الخوف كقوله تعالى :
{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } ،
والأمنة : الطمأنينة مع وجود سبب الخوف كقوله تعالى :
{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ } .


* * *

عن الحسن رحمه الله أنه قرأ هذه الآية :
{ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } القيامة /4
فقال : إن الله أعف مطعم ابن آدم ولم يجعله خفا ولا حافرا ،
فهو يأكل بيديه ويتقي بها ، وسائر الدواب إنما يتقي الأرض بفمه .

* * *

صيغة الاسم تفيد الثبات والدوام , وصيغة الفعل تفيد التجدد والاستمرار ,
ومن لطائف هذا التعبير قوله تعالى :
{ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الأنفال / 33
فجاء الفعل ( لِيُعَذِّبَهُمْ ) لأن بقاء الرسول بينهم مانع مؤقت من العذاب ,
وجاء بعده بالاسم ( مُعَذِّبَهُمْ ) ؛ لأن الاستغفار مانع ثابت من العذاب في كل زمان .


* * *

من أعظم الغبن أن يخبرنا الله في كتابه بأن جنته
- التي أعدها لعباده المتقين - عرضها السماوات والأرض ،
ثم لا يجد أحدنا فيها موضع قدم ! .


* * *

إذا عبر عن شيء بأحد أجزائه فهذا دليل على أنه ركن فيه
ومن هنا أخذت ركنية الركوع والسجود في الصلاة من قوله :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .


* * *

{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } البقرة / 74 ،
فائدة تشبيه قسوة القلب بالحجارة مع أن في الموجودات ما هو أشد صلابة منها :
هي أن الحديد والرصاص إذا أذيب في النار ذاب ، بخلاف الحجارة .


* * *

قال ابن هبيرة عند قوله تعالى :
{ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ } الكهف /39:
" ما قال : ( ما شاء الله كان ) أو ( لا يكون ) ، بل أطلق اللفظ ؛
ليعم الماضي والمستقبل والراهن ".


* * *

ومن أعجب ما ظاهره الرجاء وهو شديد التخويف ،
قوله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى } طه /82
فإنه علق المغفرة على أربعة شروط ، يبعد تصحيحها .


* * *

من تأمل قوله تعالى - في خطاب لوط لقومه -:
{ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } ؟ هود /78
أدرك أن إدمان الفواحش - كما أنه يضعف الدين - فهو يذهب مروءة الإنسان ،
ويقضي على ما بقي فيه من أخلاق ورشد .


* * *

ضرب الله مثل الذي لا ينتفع بما أوتي : بالحمار يحمل أسفارا ،
ولعل من حكم ذكر هذا المثل في سورة الجمعة
ألا يكون حظُّ الخطيب والمأموم من خطبة الجمعة كحظهما قبلها ! .

* * *

{ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } النازعات /46
تنطوي هذه الحياة الدنيا التي يتقاتل عليها أهلها ويتطاحنون ،
فإذا هي عندهم عشية أو ضحاها !
أفمن أجل عشية أو ضحاها يضحون بالآخرة ؟
ألا إنها الحماقة الكبرى التي لا يرتكبها إنسان يسمع ويرى ! .


* * *

إن مجرد طول العمر ليس خيرا للإنسان إلا إذا أحسن عمله ؛
لأن طول العمر أحيانا يكون شرا للإنسان وضررا عليه ،
كما قال تعالى:
{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ
إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } آل عمران /178،
فهؤلاء الكفار يملي الله لهم
- أي يمدهم بالرزق والعافية وطول العمر والبنين والزوجات -
لا لخير لهم ، ولكنه لشر لهم ؛ لأنهم سوف يزدادون بذلك إثما .


* * *

إن المؤمنين قوم ذلت - والله - منهم الأسماع والأبصار والأبدان
حتى حسبهم الجاهل مرضى ، وهم - والله - أصحاب القلوب ،
ألا تراه يقول : { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ } فاطر /34
والله لقد كابدوا في الدنيا حزنا شديدا ، والله ما أحزنهم ما أحزن الناس ،
ولكن أبكاهم وأحزنهم الخوف من النار .


* * *

سأل معلم القرآن تلاميذه في الصف الأول الابتدائي ( تحفيظ القرآن ) :
متى يستفيد المسلم من القرآن ؟ فأجاب أحد الطلاب: إذا فهم معانيه يا أستاذ .
هنيئا لهذه الأسرة التي ربت إبنها هذه التربية التي جعلته يجيب على هذا السؤال
الذي لم يكن ذلك الطفل ينتظره .

* * *

قوله تعالى: { وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً } الفرقان /55 ،
هذا من ألطف خطاب القرآن وأشرف معانيه ،
فالمؤمن دائما مع الله على نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه ،
وهذا معنى كونه من حزب الله وجنده وأوليائه ،
والكافر مع شيطانه ونفسه وهواه على ربه ، وعبارات السلف على هذا تدور .


* * *

{ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} هنا ملمح جميل ،
تأمل كيف أضيفت كلمة ( ذي ) إلى الذكر ، والذكر هو القرآن ،
وكلمة ( ذي ) لا تضاف إلا إلى الأشياء الرفيعة التي يقصد التنويه بشأنها ،
أما قرأت قوله تعالى : { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } ؟
وقوله : { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ } ؟
ولا نجد وربك الغفور صاحب الرحمة ؛ لأن الكلام عن الله سبحانه وتعالى .


* * *

أركان الولاية اثنان :
القوة ، والأمانة :
{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } القصص /26 ،
{ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } النمل / 39 ،
فمن العدل أن لا يولى أحد منصبا إلا وهو أهل له في قوته وفي أمانته ،
فإن ولى من ليس أهلا مع وجود من هو خير منه فليس بعادل .


* * *

عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى:
{ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ } الذاريات / 36
قال : لو كان فيها أكثر من ذلك لنجاهم الله ، ليعلموا أن الإيمان عند الله محفوظ لا ضيعة على أهله .

* * *
فخورة بديني
فخورة بديني
إذا تأملت قوله تعالى :
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } النمل / 15
بدا لك فضل العلم على كثير من نعم الحياة ،
قال السبكي :
" فإن الله آتى داوود وسليمان من نعم الدنيا والآخرة ما لا ينحصر ،
ولم يذكر من ذلك – في صدر الآية – إلا العلم ؛ ليبين أنه الأصل في النعم كلها ". أ . هـ
فيا من أنعم الله عليه بسلوك سبيل العلم ، لا زلت تفضل بعلمك أقواما ،
فاشكر الله على ذلك ، وقل كما قالا : ( الحمد لله الذي فضلني... ) .


* * *

في قول إبليس :
{ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }
علق الشنقيطي على ذلك فقال :
بل الطين خيرٌ من النار ؛ لأن طبيعة النار الخفة والطيش والإفساد والتفريق ،
وطبيعة الطين الرزانة والإصلاح ، تودعه الحبة فيعطيكها سنبلة ، والنواة فيعطيكها نخلة ،
فانظر إلى الرياض الناضرة وما فيها من الثمار اللذيذة ، والأزهار الجميلة، والروائح الطيبة ؛
تعلم أن الطين خير من النار .


* * *

{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } السجدة / 3،
يقرن الله تعالى استواءه على العرش باسم ( الرحمن ) كثيرا ؛
لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها .
والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم ،
كما قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } الأعراف / 56 ،
فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات ، فلذلك وسعت رحمته كل شيء .


* * *

إن تحويل القرآن إلى ألحان منغومة فحسب ، يستمع إليه عشاق الطرب ،
هو الذي جعل اليهود والنصارى يذيعون القرآن في الآفاق ،
وهم واثقون أنه لن يحيي موتى ! .


* * *

{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } آل عمران /101
في الآية دلالة على عظم قدر الصحابة ، وأن لهم وازعين عن مواقعة الضلال :
سماع القرآن ، ومشاهدة الرسول عليه السلام ، فإن وجوده عصمة من ضلالهم .
قال قتادة :
أما الرسول فقد مضى إلى رحمة الله ، وأما الكتاب فباق على وجه الدهر .


* * *

قوله تعالى :
{ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الملك / 22
شبه الكافر في ركوبه ومشيه على الدين الباطل
بمن يمشي في الطريق الذي فيه حفر وارتفاع وانخفاض ،
فيتعثر ويسقط على وجهه ، كلما تخلص من عثرة وقع في أخرى .


* * *

من أوضح ما يكون لذوي الفهم :
قصص الأولين والآخرين ،
قصص من أطاع الله وما فعل بهم ، وقصص من عصاه وما فعل بهم .
فمن لم يفهم ذلك ولم ينتفع به فلا حيلة فيه .
كما قال تعالى : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } ق / 36
ولهذا قال بعدها : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } ق / 37.


* * *

قوله تعالى : { وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } القلم / 51
أي يعينونك بأبصارهم ، بمعنى يحسدونك ؛ لبغضهم إياك..
وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل .


* * *

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ
إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } المائدة / 1
فتأمل - أيها المؤمن - في سطرين فقط ، وفي آية واحدة :
نداء وتنبيه ، أمر ونهي ، تحليل وتحريم ، إطلاق وتقييد ،
تعميم واستثناء ، وثناء وخبر ، فسبحان من هذا كلامه ! .


* * *

عن الضحاك في قوله تعالى :
{ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ ... الآية } الحشر / 21 ،
قال : لو أنزل هذا القرآن على جبل فأمرته بالذي أمرتكم به
وخوَّفته بالذي خوفتكم به إذاً لخشع وتصدع من خشية الله ،
فأنتم أحق أن تخشوا وتذلوا وتلين قلوبكم لذكر الله .


* * *

{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا } يوسف / 110
هذه الآية تجعل الداعية يترقب الخروج من الضيق إلى السعة ،
مبشرة بعيشة راضية ، ومستقبل واعد ، رغم المحن القاسية ، والظروف المحيطة ؛
فالحوادث المؤلمة مكسبة لحظوظ جليلة من نصر مرتقب ، وثواب مدخر ،
وتطهير من ذنب ، وتنبيه من غفلة ،
وكل ذلك خير، فـ (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير) ،
فلماذا اليأس والقنوط ؟ .


* * *

في قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ } الأنبياء / 112
: المراد منه : كن أنت - أيها القائل - على الحق ؛
ليمكنك أن تقول : احكم بالحق ، لأن المبطل لا يمكنه أن يقول : احكم بالحق ! .


* * *

في قوله تعالى : { الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } النور / 35
شبه الله تعالى الزجاجة بالكوكب ، ولم يشبهها بالشمس والقمر ؛
لأن الشمس والقمر يلحقهما الخسوف ، والكواكب لا يلحقها الخسوف .


* * *

قوله تعالى :
{ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } العنكبوت / 13
بيان لما يستتبعه قولهم ذلك في الآخرة من المضرة لأنفسهم
بعد بيان عدم منفعته لمخاطبيهم أصلا ،
والتعبير عن الخطايا بالأثقال للإيذان بغاية ثقلها وكونها فادحة .


* * *

كل ظالم معاقب في العاجل على ظلمه قبل الآجل ،
وكذلك كل مذنب ذنبا ، وهو معنى قوله تعالى :
{ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } النساء / 123
وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله ، فظن أن لا عقوبة ، وغفلته عما عوقب به عقوبة ! .


* * *

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
إن المرء قد ينسى بعض العلم بالمعصية ، وتلا قوله تعالى :
{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ } المائدة / 13.

* * *

ورد ذكر الانتقام في سياق عداوة الكفار للمسلمين وحربهم لهم في أكثر من موضع ،
كما في قوله تعالى :
{ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ } المائدة / 59 ،
وقوله تعالى :
{ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } البروج / 8 ،
وهذا يدل على قسوة الحرب وعنفها وعدم إنسانيتها .


* * *

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } ق / 37
من يؤتى الحكمة وينتفع بالعلم على منزلتين :
إما رجل رأى الحق بنفسه فقبله واتبعه ؛ فذلك صاحب القلب ،
أو رجل لم يعقله بنفسه ، بل هو محتاج إلى من يعلمه ويبينه له ويعظه ويؤدبه ؛
فهذا أصغى فألقى السمع وهو شهيد ، أي حاضر القلب .


* * *

في قوله تعالى عن المنافقين :
{ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } المنافقون / 4 ،
شبهوا بالخشب لذهاب عقولهم ، وفراغ قلوبهم من الإيمان ،
ولم يكتف بجعلها خشبا ً، حتى جعلها مسندة إلى الحائط ،
لأن الخشب لا ينتفع بها إلا إذا كانت في سقف أو مكان ينتفع بها ،
وأما إذا كانت مهملة فإنها مسندة إلى الحيطان أو ملقاة على الأرض .


* * *

خطب حذيفة بن اليمان بالمدائن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
{ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ } ،
ألا وإن الساعة قد اقتربت ،
ألا وإن القمر قد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ،
ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق .

* * *

قال ابن رجب :
إذا ذاق العبد حلاوة الإيمان ووجد طعمه وحلاوته ظهر ثمرة ذلك على لسانه وجوارحه ،
فاستحلى اللسان ذكر الله و ما والاه ، وأسرعت الجوارح إلى طاعة الله ،
ويشهد لذلك قوله تعالى :
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } الأنفال / 2 .

* * *

التحذير من الذنب وسببه واضح في كتاب الله , كما في قوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } الحجرات / 12،
فانظر لهذا الترتيب : إذا ظن الإنسان بأخيه شيئا تجسس عليه ؛ فإذا تجسس صار يغتابه .


* * *

في قوله تعالى :
{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي } آل عمران / 32
عبر بلفظ الاتباع دلالة على التقرب ؛ لأن من آثار المحبّة تطلّب القرب من المحبوب ،
وعلق محبة الله تعالى على لزوم اتباع الرسول ، لأنه رسوله الداعي لما يحبه .


* * *

قوله تعالى :
{ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ
وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ }
التحريم / 3
فيه جواز إسرار بعض الحديث للزوجات ، وأنه يلزمهن كتمانه ،
وإذا أذنب أحد في حقك فلك أن تعاتبه ؛ ولكن ينبغي عدم الاستقصاء في التثريب وذكر الذنب .


* * *

قال تعالى :
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } العنكبوت / 69
علق سبحانه الهداية بالجهاد ، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادا ،
وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا ،
فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته ،
ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد .


* * *
فخورة بديني
فخورة بديني

{ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } المطففين / 15،
قال الحسين بن الفضل :
كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته .


* * *

{ وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ }
الفرقان / 20
هذا يدل على فضل هداية الخلق بالعلم ، ويبين شرف العالم الداعي على الزاهد المنقطع ,
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كالطبيب ، والطبيب يكون عند المرضى ،
فلو انقطع عنهم هلك .


* * *

{ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا
فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } البروج / 10،
قال الحسن رحمه الله :
انظروا إلى هذا الكرم والجود ، هم قتلوا أولياءه وأهل طاعته ، وهو يدعوهم إلى التوبة ! .

* * *

قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب:
اعلم أرشدك الله لطاعته ,
أن مقصود الصلاة وروحها ولبها هو إقبال القلب على الله تعالى فيها ,
فإذا صليت بلا قلب فهي كالجسد الذي لا روح فيه ,
ويدل على هذا قوله تعالى :
{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } سورة الماعون / 4، 5.

* * *

قوله تعالى : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } الشرح / 4 ،
قال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ،
فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ! .

* * *

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ
وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } المنافقون / 9
في ذلك تحذير من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر ربهم ، إذ هذه علامتهم ،
ولذا فإن كثرة ذكر الله أمان من النفاق ، والله تعالى أكرم من أن يبتلي قلبا ذاكرا بالنفاق ،
وإنما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل .


* * *

{ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } الكهف / 71
هنا ملمح لطيف :
فموسى عليه السلام قال :
لتغرق أهلها ، ولم يذكر نفسه ولا صاحبه ، رغم أنهما كانا على ظهر السفينة ؛
لأن هذه أخلاق الأنبياء :
يهتمون بأوضاع الناس أكثر من اهتمامهم بأنفسهم ، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين .


* * *

قوله تعالى :
{ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } هود / 71
استدل بهذه الآية على أن الذبيح إسماعيل ، وأنه يمتنع أن يكون إسحاق ؛
لأنه وقعت البشارة به ، وأنه سيولد له يعقوب ، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير ،
ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده ؟ ! ، ووعد الله حق لا خلف فيه ،
وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه ، ولله الحمد .


* * *

شاهد سحرة موسى عصاه وهي تلقف ما يأفكون
{ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } الشعراء / 46 ،47
فكان ما هم عليه من العلم بالسحر - مع كونه شرا - سببا للفوز بالسعادة ؛
لأنهم علموا أن هذا الذي جاء به موسى خارج عن طوق البشر ،
ولم يحصل هذا الإذعان من غيرهم ممن لا يعرف هذا العلم من أتباع فرعون ،
وإذا كانت المهارة في علم الشر قد تأتي بمثل هذه الفائدة ، فما بالك بالمهارة في علم الخير ؟! .


* * *

قال تعالى :
{ وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا } آل عمران / 103
ثم قال في آية بعدها :
{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ }
أي : كما عرفتم النعيم والكمال بعد الشقاء والشناعة ،
فالأحرى بكم أن تسعوا بكل عزم إلى انتشال غيركم من سوء ما هو فيه إلى حسنى ما أنتم عليه .


* * *

{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } التوبة / 79
" هكذا المنافق : شر على المسلمين ، فإن رأى أهل الخير لمزهم ،
وإن رأى المقصرين لمزهم ، وهو أخبث عباد الله ، فهو في الدرك الأسفل من النار .
والمنافقون في زمننا هذا إذا رأوا أهل الخير وأهل الدعوة ،
وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قالوا : هؤلاء متزمتون ، وهؤلاء متشددون ،
وهؤلاء أصوليون ، وهؤلاء رجعيون ، وما أشبه ذلكم من الكلام " .


* * *

أمر الله عباده أن يختموا الأعمال الصالحات بالاستغفار ،
فكان صلى الله عليه و سلم إذا سلم من الصلاة يستغفر ثلاثا ،
وقد قال تعالى : { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ } آل عمران / 17
فأمرهم أن يقوموا بالليل ويستغفروا بالأسحار ،
وكذلك ختم سورة ( المزمل ) وهي سورة قيام الليل بقوله تعالى :
{ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .


* * *

انظر إلى قوله تعالى :
{ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ
تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ } التوبة /92
أترى أن الله يهدر هذا اليقين الراسخ ؟ وهذه الرغبة العميقة في التضحية ؟
إن النية الصادقة سجلت لهم ثواب المجاهدين ؛ لأنهم قعدوا راغمين .


* * *

تأمل كيف قرن الله بين أكل الطيبات وعمل الصالحات في قوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً } المؤمنون / 51
فأكل الحلال الطيب مما يعين العبد على فعل الصالحات ،
كما أن أكل الحرام أو الوقوع في المشتبهات , مما يثقل العبد عن فعل الصالحات .


* * *

تأمل قوله تعالى : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى }
فلم يقل : فآواك , فهداك , فأغناك ؛
لأنه لو قال ذلك لصار الخطاب خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وليس الأمر كذلك ،
فإن الله آواه وآوى به ، وهداه وهدى به ، وأغناه وأغنى به .


* * *
فخورة بديني
فخورة بديني
أليس من الغبن العظيم أن يقرأ الإنسان القرآن سرا وجهارا ،
وليلا ونهارا ، أزمنة مديدة ، وأياما عديدة ، ثم لا تفيض عيناه من الدمع ؟
والله تعالى يقول :
{ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً *
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً *
وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } الإسراء / 107-109.


* * *

تأمل هذه الآية : { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ } فاطر / 11
قف قليلا ، وتفكر : كم في هذه اللحظة من أنثى آدمية وغير آدمية ؟
وكم من أنثى تزحف ، وأخرى تمشي ، وثالثة تطير ، ورابعة تسبح ،
هي في هذه اللحظة تحمل أو تضع حملها ؟! إنها بالمليارات !
وكل ذلك لا يخفى على الله تعالى !
فما أعظمه من درس في تربية القلب بهذه الصفة العظيمة : صفة العلم .


* * *

كان هرم بن حيان يخرج في بعض الليالي وينادي بأعلى صوته :
عجبت من الجنة كيف نام طالبها ؟ وعجبت من النار كيف نام هاربها ؟
ثم يقول : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } الأعراف / 97 .

* * *

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ } البقرة / 126
تأمل التلازم الوثيق بين الأمن والرزق ، وبين الخوف والجوع ,
تجده مطردا في القرآن كله ، مما يؤكد أهمية ووجوب المحافظة على الأمن ؛
لما يترتب على ذلك من آثار كبرى في حياة الناس وعباداتهم ,
واستقرارهم البدني والنفسي ، وأي طعم للحياة والعبادة إذا حل الخوف ؟
بل تتعثر مشاريع الدين والدنيا ، وتدبر سورة قريش تجد ذلك جليا .


* * *

في قوله تعالى: { فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } الكهف/ 11
خص الآذان بالذكر هنا ؛ لأنها الجارحة التي منها يأتي فساد النوم ،
وقلما ينقطع نوم نائم إلا من جهة أذنه ، ولا يستحكم النوم إلا من تعطل السمع .


* * *

في قوله تعالى { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ } ق / 4
عبر بالانتقاص دون التعبير بالإعدام والإفناء ؛
لأن للأجساد درجات من الاضمحلال تدخل تحت معنى النقص ،
فقد يفنى بعض أجزاء الجسد ويبقى بعضه ، وقد يأتي الفناء على عامة أجزائه ،
وقد صح أن عجب الذنب لا يفنى , فكان فناء الأجساد نقصا لا انعداما .


* * *

في قوله تعالى : { إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } العاديات / 6
قال قتادة والحسن : الكفور للنعمة .

وفي هذا تسلية للمرء إذا وجد قلة الوفاء من الخلق ، فإذا كان جنس الإنسان كنودا جحودا لربه ؛
وهو الذي أوجده وأكرمه ، فكيف لا يكون فيه شيء من ذلك الجحود مع سائر الخلق وهم نظراؤه وأقرانه ؟ .

* * *

في قوله تعالى :
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } الحشر / 10
إشارة إلى أنه يحسن بالداعي إذا أراد أن يدعو لنفسه ولغيره أن يبدأ بنفسه ثم يثني بغيره ،
ولهذا الدعاء نظائر كثيرة في الكتاب والسنة .


* * *

تأمل قول يوسف عليه السلام : { وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ } يوسف / 100
فلم يذكر خروجه من الجب ، مع أن النعمة فيه أعظم، لوجهين :
أحدهما : لئلا يستحيي إخوته، والكريم يغضي عن اللوم ، ولاسيما في وقت الصفاء .
والثاني : لأن السجن كان باختياره ، فكان الخروج منه أعظم، بخلاف الجب .


* * *

تدبر قوله تعالى
{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ
كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } البقرة / 109
تجده دليلا واضحا على أن حرمان التوفيق أقعدهم عن الإيمان ،
فإنهم لم يحسدوا غيرهم عليه ، إلا بعد أن تبينت لهم حقيقته ,
إذ محال أن يحسدوا غيرهم على ما هو باطل عندهم ، وفي أيديهم ما يزعمون أنه خير منه .


* * *

{ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } البقرة / 231
إنها تربية قرآنية تؤكد على أن الاعتداء على الآخرين هو ظلم للنفس أولا ؛ بتعريضها لسخط الله وغضبه .


* * *

هناك طوائف كبيرة وأعداد عظيمة ممن ينتسب إلى الإسلام
حرمت من القيام بحق القرآن العظيم وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وأخشى أن ينطبق على كثير منهم قوله تعالى :
{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } الفرقان / 3 .


* * *

تأمل قوله تعالى : { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } الأنبياء / 87
وقوله تعالى : { وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ } القلم / 48
تجد أنه أضاف
كلمة ( ذا ) إلى ( النون )
، وكلمة ( صاحب ) إلى ( الحوت )
والمقصود واحد وهو يونس عليه السلام وسر ذلك -والله أعلم- أن النون اسم للحوت العظيم ،
وكلمة ( ذا ) تطلق مع ما يدل على العظمة .


* * *

كان سهل بن عبد الله التستري يقول :
إنما خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة ، وعند كل حركة ،
وهم الذين وصفهم الله تعالى بقوله : { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } المؤمنون / 60.

* * *

عن أبي المثاب القاضي قال : كنت عند القاضي إسماعيل يوما ؛
فسئل : لم جاز التبديل على أهل التوراة ، ولم يجز على أهل القرآن ؟
فقال : قال الله تعالى في أهل التوراة : { بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ } المائدة / 44،
فوكل الحفظ إليهم .
وقال في القرآن : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر / 9
فلم يجز التبديل عليهم ! .


* * *

{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } الطلاق / 4
إذا رأيت أمورك متيسرة ومسهلة ،
وأن الله يعطيك من الخير -وإن كنت لا تحتسبه - فهذه لا شك بشرى ،
وإذا رأيت عكس ذلك ، فصحح مسارك فإن فيك بلاء ،
وأما الاستدراج فيقع إذا كان العبد مقيما على المعصية .


* * *

مخالفة ما تهوى الأنفس شاقة ، وكفى شاهدا على ذلك حال المشركين وغيرهم ممن صمم على ما هو عليه ،
حتى رضوا بإهلاك النفوس والأموال ولم يرضوا بمخالفة الهوى ،
حتى قال تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } الجاثية / 23 .


* * *

قوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً *
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} الأحزاب / 70 ، 71
وعد من الله لمن قال قولا سديدا أن يصلح عمله ،
ويغفر ذنبه ، فهل ترانا نشتري إصلاح أعمالنا وغفران ذنوبنا بتسديد أقوالنا ؟ .

* * *