جيـــان
جيـــان
الباب الخامس
التعذيب


أخذوني في منتصف ليلة من لياليهم السوداء إلى مكتب مجاور لمكتب شمس بدران ، كان يجلس فيه أحد شياطينه "جلال الديب "
الذي أخذ يسألني..قال : اشرحي يا زينب يا غزالي اتصالاتك بخالدة الهضيبي وأحمد ثابت زوجها وما دورهما في التنظيم ؟
قلت : نشاط خالدة الهضيبي معي كان محصورا في مساعدة أسر المسجونين .
قال : أي نوع من المساعدات ؟
قلت : مساعدات مالية أو عينية ، وشرحت له نوعية العينية – بعد سؤاله – أنها كالأقمشة والدقيق والقمح والأرز والسمن والفاصوليا . وعاد يسألني عن زوجها أحمد ثابت . ولما أوضحت له أنه لم يكن له من عمل إلا الحضور إلى المركز العام للسيدات المسلمات ليوصل الأشياء التي أرسلها لخالدة لتسلمها للأسر – دون أن ينزل من العربية – رفض تصديقي وأسلمني إلى صفوت فأوقفني ليتصرف ، وتصرف صفوت فأوقفني ووجهي للحائط مكررا السؤال عن صلة خالدة الهضيبي بالتنظيم .
ولما مضت ساعة دون أن أغير من موقفي بدأ يهددني بالكلاب وبالضرب وأصررت على أقوالي . ودخل حمزة البسيوني فطلب منه جلال الديب أخذى إلى الكلاب . وأخذوني إلى حجرة مظلمة وأدخلوا كلبا معي وتركوني اكثر من ساعتين مع الكلب ثم
أعادوني إلى المستشفى . وفى الليلة الثانية أعادوا استجوابي عن علاقة خالدة بالتنظيم وأصررت على موقفي السابق ، وتركني جلال الديب في الغرفة ، وخرج ليرسل لي صفوت فيضربني بقدميه وبيديه حيثما اتفق ، ثم يغلق على الحجرة ويخرج ليعود بعد ساعتين فيعيدني إلى المستشفى!
جيـــان
جيـــان
الباب الخامس
المال


ومرة أخرى طلبوني لمكتب شمس بدران وقال شمس : لقد أتينا بالزيني من غزة . وقد تعرف عليه المرشد ومأمون الهضيبي . وهو الذي أتاك بالمال وإذا لم تتعرفي عليه سيتم إعادتك للتحقيق من الألف للياء! إنت فاهمة؟ والمهم يا بنت يا زينب أن الزيني قد اعترف . وأخذوني إلى حجرة وجدت فيها رجلا في صورة لا يمكن معها أن يتعرف عليه أحد ، وأخرجوني وأعادوني إلى شمس .
وقال شمس : من هذا؟ قلت : لا أعرفه .
قال : لقد تعرف الكل عليه . . إنه صادق الزيني، يا بنت الـــ . . وتدخل جلال الديب ليطلب من شمس أن يسألني عن المال لأي غرض هو؟ وسألني شمس وأجبته بأنه للأسر: للأكل ، للتعليم ، للعلاج . لأسر الأسود خلف قضبان سجونكم .
وجن جنون شمس فصاح بحمزة : خذها وألقها للثعابين لا للكلاب .
وخرجت مع حمزة وصفوت ، وأخذوني إلى المستشفى وطلب حمزة كرسيا فجلس عليه ثم قال :
إنت صعبانة على يا زينب ، لن آخذك إلى الثعابين ، قولي لي لأي غرض كان المال ؟
قلت : لقد حققتم معي بخصوص هذا الموضوع .
وكان جلال الديب قد وصل ليسأل : هل اعتدلت أم لا؟ وكان جواب حمزة : اتركها لي يا جلال يبدو أنها اشتاقت للكلاب .
الكلاب ، لقد كانت في نظري أرق منهم شعورا وأسمى واكثر إدراكا. كنت كلما حبسوني مع الكلاب أحسست عمق بشاعتهم وازداد احتقاري ، وأصبح الأمر لا يشغلني كثيرا . بل أصبحت أفضل أن أظل مع الكلاب على أن أبقى ثواني مع شمس أو حمزة أو جلال . .
وذات ليلة أخذوني إلى مكتب شمس بدران بعد العشاء جلست لا أدرى كم ، ولكنى أغمى على، فأسعفوني بالحقن وأعادوني إلى المستشفى وبعد ثلاثة أيام أخذوني ثانية إلى مكتب شمس بدران الذي أقسم برأس عبد الناصر إنه سيعيد تعذيبي من رقم 1إلى رقم 34
إن لم أجب بصراحة على ما يوجه إلى من أسئلة .
وكانت هذه الأرقام قد مرت على بصنوف من التعذيب مختلفة الصور، متعددة الألوان . وابتدأ حديثه بقوله : يا بنت يا زينب ، أنا سأذكر لك حادثتين حصلوا معك : حادثة فيها محمد قطب و الهضيبي وأخوات محمد قطب وكان فيها على عشماوي ومأمون الهضيبي.
وبنقول لك إن هذه الحاجات اعترف بها حسن الهضيبي ومحمد قطب . . راح تكذبينا لكن من أين كنا سنعرفها؟. . الحادثة التي فيها على عشماوي ستقولين : إن على كذاب . . لكن الثانية ليس فيها على . . قال شمس بدران : في يوم كلمت محمد قطب ونزل لك من حلوان بالليل ، فأعطيته مصاغك وخمسمائة جنيه ، وقلت له : الخمسمائة جنيه سلمهم للوالدة "تقصد حرم الهضيبي" ومصاغي هذا أنا متبرعة لأسر الإخوان ، خذهم يا محمد . . أعطهم للست الوالدة في الوقت المناسب .
قلت : نعم ، هذه الحادثة حصلت وما الذي يصيبني فيها؟ مصاغي أتبرع به كما أشاء، وقد تبرعت إلى اكرم وجه للخير، لجماعة الإخوان المسلمين إعانة للأسر. أما المال فقد كان للإخوان وكان على أن أرده لأصله عندما أخشى عليه . قال شمس : الخمسمائة جنيه كانوا للتنظيم لا للأسر. قلت : لا، للأسر. قال : على عشماوي قالي : إنها للتنظيم . قلت : على عشماوي كذاب .
قال : محمد قطب قال إنه لا يعرف الغرض من الخمسمائة جنيه . لكن أنت بعثت بها مع المصاغ .
وقلت له : أعطها لحرم الهضيبي . قلت : واجهوني بمحمد قطب . لقد قلت له : إن الخمسمائة جنيه مساعدة للأسر . قال : طيب ، وكيف جاءت هذه الخمسمائة جنيه ؟
قلت : في يوم جاءني على عشماوي يطلب منى ورقة لأخ من السعودية ليتمكن من مقابلة المرشد أو مأمون ، وأفهمته أن الأخ مأمون لا يحتاج إلى واسطة وان المرشد في الإسكندرية، إلا أن مأمون موجود وبإمكانه أن يقابله . وعاد إلى عشماوي بعد ذلك
وقال لي : إن هذا الأخ قابل مأمون وتبرع بهذا المبلغ وإن مأمون طلب منه إعطاء المبلغ للحاجة زينب الغزالي ، فكلف الأخ الذي من
السعودية - حسب رواية على عشماوي - أن يوصل على عشماوي المبلغ إليك وأن المبلغ مساعدة للأسر .
قال شمس بدران : المبلغ لم يكن للأسر، لأن محمد قطب قال ذلك . فقلت مؤكدة : إنني وحدي القادرة على تقرير الحقيقة، وإنه لابد أن
يكون الأمر قد التبس على الأستاذ محمد قطب إن كان قد قال ذلك . قالوا: سنعيدك للتعذيب . . هتتكلمي ولا يأخذك صفوت ؟!
قلت : واجهوني بمحمد قطب . ولما واجهوني بالأستاذ محمد قطب ، قال : إنني سلمته المال والمصاغ ليوصله إلى الوالدة وحاولت أن أذكر حضرته بما قلته له من أن المبلغ كان للأسر وكان عندي أمانة ، لم يستطع أن يتذكر، إلا أنه قال : ما دامت الحاجة متأكدة أنها قالت لي هذا فإن قولها صحيح .
وأوقفوني إلى الصباح ووجهي للحائط ثم أعادوني للمستشفى . وبعد يومين أخذوني إلى مكتب شمس بدران الذي بادرني بقوله : نحن نريدك يا زينب أن تعترفي بالتنظيم الذي كان محمد قطب قد أسسه .
وأجبت : لقد سئلت من قبل في هذا وأجبت بان محمد قطب لم يؤسس تنظيما.
فقال لصفوت : علقها يا صفوت ! وعلقني صفوت وجلدوني على قدمي! . . ثم أخذت لمكتب مجاور لمكتب شمس بدران ، وقال لي رجل من رجاله - لا أعرف اسمه - كان يجلس بجانب حسن خليل دائما: ووجهي يا بنت يا زينب : إنت عبيطة ! أنت لا تعرفي تخلصي نفسك ؟! الإخوان كذبوا عليك كثيرا، فلماذا لا تتفاهمي معنا وتعطينا بعض المعلومات عن محمد قطب ؟ ونحن سنحفظ
لك هذا الجميل ونبدأ نتفاهم معاك ! قلت : كيف أتفاهم معكم ؟ أنا أحتقر طرقكم وباطلكم ! أنتم عملاء للشيطان ، لن تستطيعوا أن توقعوا بيننا نحن عباد الرحمن ! نحن لا يصدق الأخ منا في أخيه شيئا مهما حاولتم الوقيعة والدسيسة . . أريحوا أنفسكم .
قال : سنعيد التعذيب من جديد . وستحقق النيابة معك مرة أخرى .
قلت : النيابة منكم وأنتم منها.. أنتم جميعا لا تعرفون طريق الله . أنتم من الضالين المغضوب عليهم . .
ودخل حمزة البسيوني وفى يده ورقة وضعها أمامه وسأله : هي لسه مغلباك يا باشا؟ وخرج حمزة وابتدأ هو يتكلم في موضوع محمد قطب ثانية. وخرج وجاء صفوت وضربني بالسوط حيثما اتفق ثم خرج ووجهي للحائط . . بعد ساعة تقريبا دخل شيطان آخر أخذ يشرح لي ما سيترتب على تعاوني معهم بإعطائهم معلومات عن التنظيم الخاص بمحمد قطب من نتائج في صالح زوجي وأشقائي وصالحي شخصيا.
ولما لم يتغير معي أخذوني إلى حجرة الكلاب . وفى هذه المرة كان مع الكلب في الزنزانة رجل قال له حمزة البسيوني : إن لم يأكلها الكلب فكلها أنت يا ولد! وأغلقت الزنزانة لساعتين لم اكف فيهما عن قول "حسبنا الله ونعم والوكيل " أما الرجل والكلب فكأن خرسا لحق بهما حتى فتح الباب وأخذت إلى المستشفى .
وفى اليوم التالي أخذت إلى مكتب رياض إبراهيم الذي سألني عمن قابلت من كرداسة .
أجبت : أنا لا أعرف شيئا عن كرداسة هذه . قال : ألم يقابلك أحد منها أبدا؟ أجبت : لا. . فذكر أن أحمد عبد المجيد من كرداسة. ثم قال مهددا بأنه ذاهب إلى الباشا ليرسل لي من يتفاهم معي وخرج . ودخل عسكري أمرني بالوقوف وأن أدير وجهي إلى الحائط وضربني على ظهري بالسوط ! وبعد مرور وقت طويل أخذوني إلى المستشفى .
كل هذا أيها القارئ العزيز بعد تحقيق النيابة .
وبعد أيام طلبوني لمكتب رياض - ثانية - وواجهني بسيدات لم أرهن من قبل ، وسألني عمن تكون زوجة السيسي من بينهن قلت لا أعرفها، وإذا بهم يدخلون شابا صغير السن والعسكري خلفه بالسوط ويسألون : أين هي زينب الغزالي ؟ فنظر الشاب وقال : لا أعرف
. ولما سألوه ثانية عن زوجة عباس السيسي أجاب ثانية : لا أعرف . فسألوه عمن قابلته من السيدات الموجودات فأجاب : لم يقابلني أحدها فأخرجوه كما أدخلوه بالسوط يلسع ظهره .
ثم فوجئت بحميدة قطب تدخل وخلفها صفوت . وسألوها عن زوجة السيسي قالت : "لا أعرفها" .
ثم أخرجوا السيدات الأربع وأخرجوا حميدة وبقيت مع رياض . قال : اسمعي يا بنت يا زينب . . ألا تعرفين واحدا من الإخوان متزوجا من أربعة ؟ قلت : لا. . قال : هل تعتقدين أنى أقول لك فزورة ؟ ! هناك واحد من الإخوان متزوج أربعة . إن لم تقولي من هو ستضربين . قلت : افعل ما تشاء. أمروا أن أضع وجهي في الحائط وقام وضربني عدة كرابيج وتركني في الحجرة وخرج . . وبعد ساعتين عاد ومعه صفوت الروبي الذي أخذني إلى المستشفى .
جيـــان
جيـــان
الباب الخامس
علبة اللحم المفروم !


قرر الأطباء أن حالتي الصحية متدهورة، وان لم يسمحوا لي بأكل من المنزل فإن حياتي يخشى عليها، ولا أستطيع الذهاب إلى المحكمة . فسمحوا لي بدخول الأكل وكان عبارة عن فاكهة ولبن زبادي فقط .
وفى يوم احتالت أختي لتدخل لي لحما، فأفرغت علبة لبن جافة وملأتها لحما مفروما وأدخلتها على أنها لبن جاف . ولم يكشفها أحد حتى أنا . وكان معها بعض الزبادي والبرتقال . . أخذت نصيبي وأخذ عبد المعبود التمرجي يوزع الباقي على الإخوان المرضى في المستشفى . وكان معنا الأستاذ عبد العزيز على – وزير البلديات السابق – وكنا نتقاسم كل واحد برتقالة وكل اثنين سلطانية زبادي . وبعد التوزيع ناديت الممرض ورجوته أن يوزع هذه العلبة على الإخوان ، كل واحد كوب لبن فخرج بها ثم عاد إلى مرة ثانية وهو يقول : هذا ينفعك أنت يا حاجة، دي فيها لحم مفروم ، فرجوته أن يوزعها : كل واحد يأخذ ملعقة. ففعل وعاد وفى العلبة اللحم المفروم ، ورجوته أن يوصله إلى الأستاذ عبد العزيز ومعه علبة زبادي، وسأل عبد المعبود لم أختص بهذا؟ فأجبت من زنزانتي :
الحمد لله الذي يرزق عباده ! فأجابني : الحمد لله ، إنه هو الرزاق ذو القوة.
ولما انصرف الممرض سألني : كيف صرح بدخول الطعام ؟ وأوضحت له ما فعله الطبيب ونصحته أن يطلب من الطبيب أن يدخل له طعام . وطلب فعلا من الطبيب . وكان الإخوان يدخرون من ضرورياتهم القليلة ما يعاونون به إخوة لهم تمزقت أجسامهم من التعذيب ، فهم يحتاجون إلى غذاء خاص وعناية خاصة، مما جعلنا نفرح لأي شيء يصلنا من الخارج ؟ ولو كان ذلك شيئا عاديا في حياة الناس .
جيـــان
جيـــان
الباب الخامس
التجويع حتى في المستشفى!


مر ما يقرب من عام على اعتقالي ولم يسمح لي بالأكل من الخارج إلا قبل المحاكمة بثلاثة أشهر؟ خوفا من أن أموت قبل أن يحاكموني بأباطيلهم. وتلك كانت طريقتهم في الحياة : الخداع والبهتان .
أبشع من هذا ما عرفته بعد ذلك عندما زارتني أختي ووالدتي قبل المحاكمة بأيام وقالت لي : إن صفوت الروبي كان يطلب منهم في الأيام الأولى لاعتقالي أكواما من الطلبات من الأدوية والفاكهة والملابس . وكان يشترط أن تكون الملابس جديدة .
لقد كانت خطة مدبرة لاستنزاف قدراتنا - معاشر المجاهدين - بإرهاق أسرنا في الخارج . أرادوا أن يقولوا للناس الذين سيسمح لهم بدخول محكمتهم : إن معاملتنا للمتهمين على أحسن ما يرام بدليل أنهم بصحة جيدة وأن الأكل دخل لهم من الخارج وهكذا من
مفترياتهم التي لا تنتهي . .
أما التعذيب والتنكيل والتهديد فحدث ولا حرج ، لئن لم يكن فيما ذكرته الكفاية مما لقيت فإني سأضرب لك - أيها القارئ - بعض الأمثلة على ما كان يعانيه المسجونون من الجوع وخاصة المرضى .
ذات يوم دخل شاب من الإخوان ، جسمه ممزق من التعذيب ، وحضروا به إلى المستشفى لعلاجه وأخذ الطبيب يبحث عن قطعة سكر. ولكنه لم يجد في المستشفى وسمعت الهرج والسؤال عن قطعة السكر . فطرقت باب زنزانتي ولما فتحوا رجوتهم أن يأخذوا برطمانا صغيرا كان به عسل نحل جاءني مع الطعام من الخارج ، أخذ الممرض العسل وأمره الطبيب أن يعطى ملعقة للمريض . . وهذا يحدث بطبيعة الحال بعيدا عن أعين الزبانية؟ فمثل هذا من الممنوعات في المستشفى! ! .
ومرت الأيام . ووصلت بهم الحال إلى تعذيبنا بمنع الماء عن المريض . فيظل طوال الليل لا يشرب نقطة ماء – ونحن في أشهر الصيف – حتى أصبح الحصول على نصف كوب ماء من المعجزات ، كنت مريضة جدا وحالتي الصحية سيئة، فسمحوا لي بدخول بعض الماء، وكان بجواري أخ كريم في الزنزانة المجاورة فكنت أقسم معه هذا القليل من الماء ، ولن تصدق أيها القارئ إذا ذكرت لك الطريقة التي كنت أوصل بها الماء إليه ، لن تصدق أنني كنت أضع الماء في كيس نظارتي وأناوله إياه من فرجة بين الحائط الورقي
وجدار الزنزانة، ليطفئ ظمأه ولو قليلاً ! كان جسمه ممزقة من سياطهم وكان أحوج ما يكون إلى هذا القليل ! . . لقد تفنن الظالمون في وساثل التعذيب . . لم تبق طريقة قديمة أو حديثة إلا استعملوها وأضافوا إليها . .
جيـــان
جيـــان
الباب الخامس
وتاب الوحش


وسأقص عليك ، أخي القارئ ، قصة حدثت وأنا بالمستشفى تجعلك تزداد يقينا بأن في هذا الشعب خامات طيبة وقلوبا طاهرة؟ لو وجدت التوجيه السليم لأتت ثمارها وعبدت ربها، ودافعت عن عقيدتها بكل ما تملك من جهد ومال . . كان معنا في المستشفى عسكري ممرض اسمه : صلاح وكان مكلفا بإعطاء الحقن للمرضى ومراقبة الزنزانات . وذات يوم كنت ذاهبة إلى دورة المياه، وإذا بالهواء يرفع بطانية كانوا يستعملونها بابا لزنزانة الأستاذ الإمام الشهيد سيد قطب ، لأنها كانت بغير باب خشبي، وتصادف مع رفع البطانية مروري أمام الزنزانة ، وقامت الدنيا في المستشفى، كيف تحدث هذه الجريمة البشعة ، وترى زينب الغزالي سيد قطب وهو جالس في زنزانته ! وقام المدعو صلاح يشتم ويسب .
ومما زاد الموضوع بشاعة أن صفوت الروبي كان داخلا إلى المستشفى في هذه اللحظة فأراد العساكر أن يثبتوا له أنهم حريصون على تنفيذ الأوامر، ولا يسمحون لأحد أن يرى أخاه ؟ ولو كان ذلك صدفة بسبب بطانية رفعها الهواء ! كان صلاح أشبه بوحش كاسر لا إنسانية ولا عقل ولا دين ، وكان الأستاذ سيد قطب يلاطفه ويخبره بأنه لا دخل له ولا ذنب في رفع البطانية، وظل يكلمه بكلام هادئ حلو حتى جعل هذا الوحش يلين ويستحي. . ثم يأتيني بعد أيام نادما يقول : إنه يريد أن يسلم من جديد، يسألنى ماذا عليه أن يعمل حتى يكون مسلما صحيحا. . وسألته : هل تستطيع أن تحتمل مثل ما ترى مع الإخوان ؟
قال : إذا أسلمت إسلامهم فسيصبرني الله إن شاء ويقويني . سألته تقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ؟ قال : نعم ، ثم رددها أمامي . . فقلت : إذن ، لا تفعل إلا ما يأمرك الله به ولا تطع أمر الطواغيت من البشر؟ مادام ذلك في معصية الله .
قال : أنا أريد أن أفهم الإسلام الحقيقي، الإسلام الذي جعلكم تتحملون كل هذا العذاب بصبر لا يستطيعه بشر. فطلبت منه أن يرجو الأستاذ سيد قطب أن يفهمه الإسلام حين يذهب إليه ليعطيه الحقن وأرسلت معه تحية للأخ العزيز. .