الباب السادس
المساومة الأخيرة قبل الإعدام
طلب الطغاة حميدة ليلة تنفيذ الحكم بالإعدام . وسأتركها تقص علينا ما جرى .
قالت: استدعاني حمزة البسيوني إلى مكتبه ، وأراني حكم الإعدام ، والتصديق عليه . ثم قال لي : إن الحكومة مستعدة أن تخفف هذا الحكم إذا كان شقيقي يجيبهم إلى ما يطلبون ، ثم أردف قائلا : إن شقيقك خسارة لمصر كلها وليس لك وحدك ، إنني غير متصور أن نفقد هذا الشخص بعد ساعات ، إننا نريد أن ننقذه من الإعدام بأي شكل وبأي وسيلة. إن بضع كلمات يقولها ستخلصه من حكم الإعدام . ولا أحد يستطيع أن يؤثر عليه إلا أنت ، أنت وحدك مكلفة بأن تقولي له هذا. . أنا مكلف بأن أبلغه هذا ولكن لا أحد أفضل منك في تبليغه هذا الأمر. بضع كلمات يقولها وينتهي كل شيء! نريد أن يقول : إن هذه الحركات كانت على صلة بجهة ما، وبعد ذلك تنتهي القضية بالنسبة لك ، أما هو فسيفرج عنه بعفو صحي .
قلت له : ولكنك تعلم - كما يعلم عبد الناصر - أن هذه الحركة ليست على صلة بأي جهة من الجهات .
قال حمزة البسيوني: أنا عارف وكلنا عارفون أنكم الجهة الوحيدة في مصر التي تعمل من أجل العقيدة، نحن عارفون أنكم أحسن ناس في البلد، ولكننا نريد أن نخلص سيد قطب من الإعدام .
قلت له : إذا كان سيادتك عاوز تبلغه هذا فلا مانع !
فنظر إلى صفوت وقال : خذها يا صفوت إلى أخيها. وذهبت إلى شقيقي وسلمت عليه وبلغته ما يريدون منه ، فنظر إلى ليرى أثر ذلك على وجهي، وكأنه يقول : "أنت التي تطلبين أم هم ؟ واستطعت أن أفهمه بالإشارة أنهم هم الذين يقولون ذلك .
وهنا نظر إلى وقال : "والله لو كان هذا الكلام صحيحا لقلته ولما استطاعت قوة على وجه الأرض أن تمنعني من قوله . ولكنه لم يحدث وأنا لا أقول كذبا أبدا" . سأل صفوت : يعنى ده رأيك ؟ أجاب بقوله : نعم . فتركنا صفوت وقال : على العموم تقدروا تقعدوا مع بعض شويه . .
وانصرف وأفهمت أخي الحكاية من أولها، وقلت له : إن حمزة استدعاني وأراني تنفيذ حكم الإعدام. وطلب منى أن أطلب منك هذا الطلب . سال : وأنت ترضين ذلك ؟ قلت : لا. قال : إنهم لا يستطيعون ضرا ولا نفعا. إن الأعمار بيد بالله ، وهم لا يستطيعون التحكم في حياتي ولا يستطيعون إطالة الأعمار ولا تقصيرها، كل ذلك بيد الله . والله من ورائهم محيط .
ونفذ الطاغوت أحكامه
وبعد أيام سمعنا عن تنفيذ الأحكام بالإعدام في الإمام الشهيد سيد قطب والشهيد عبد الفتاح إسماعيل ، والشهيد محمد هواش . ووقع علينا إعدام سيد قطب وأخويه موقع الصاعقة، فالكل كريم عزيز مجاهد" وشقيقة سيدة تقيم معي في الزنزانة، كيف أواسيها؟ كيف أخفف عنها؟ ما الذي أستطيع أن أفعله ؟ بل كيف أخفف عن نفسي؟ وبماذا أواسى نفسي في هذا المصاب ؟ إن الحادث جلل ،
والمصاب فادح ، فإعدام سيد قطب وأخويه في الله والجهاد ليس بالأمر الهين ! . .
سيد قطب مفسر القرآن، الداعية الإسلامي، الحكيم في فهمه وبيانه وصفاء منهجه ، وقوة حجته ، المتمسك بدينه ، الواثق بنصر الله !
أليس هو صاحب التفسير العظيم "في ظلال القران ) الذي فتح بابا جديدا للتفكير في كتاب الله والوقوف عند أحكامه ، وبين كيف يكون الالتزام ؟! سيد قطب الذي وضح في مقدمة سورة الأنعام : أين الطريق ؟
سيد قطب . . صاحب : هذا الدين ، والعدالة الاجتماعية، والمستقبل لهذا الدين ، والتصوير الفني في القرآن ، ومشاهد القيامة ، وما يربو على العشرين كتابا في كل معرفة من علوم القرآن ! إن الكلمات لا تسعف في المواساة في مثل هذا الحادث .
اقرأوا "المعالم التعرفوا لماذا حكم عليه بالإعدام !
إن البعث الإسلامي في القوتين العظميين هو ما يركز عليه الشهيد سيد قطب . ومعنى ذلك أن تنتهي دولة القوتين العظميين وأن تحكم الشريعة العالم ' لا تلك الهمجية الجاهلية. نعم . إن بعث الإسلام معناه إنهاء قوة الأمريكان والروس وأن تقوم القوة الشرعية صاحبة الحق الشرعي في حكم هذا العالم ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) آل عمران : 110 . . وستقوم بإذن الله ( والله متم نوره ولو كره الكافرون ) الصف : 8 .

جيـــان
•

جيـــان
•
الباب السادس
الأيام الأخيرة بعد الأحكام في السجن الحربي
يوم تنفيذ الأحكام رأيت سيد قطب في سنة خفيفة بعد صلاة الفجر. فقال لي : إعلمي أني لم أكن معهم ، أنا كنت في المدينة مع حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتنبهت فحكيت لحميدة .
وفى صبيحة اليوم الثاني لتنفيذ أحكام الإعدام ، أخذتني سنة من النوم كذلك بعد صلاة الفجر، وأنا أتلو أذكار ختم الصلاة، فسمعت صوتا يقول لي: سيد في الفردوس الأعلى ورفقته في عليين .
تنبهت وحكيت لحميدة فانهمرت دموعها وقالت : أنا على ثقة من فضل الله علينا وبأنه
إن شاء الله في الفردوس الأعلى . قلت لها: وهذه الرؤى تثبيت من الله سبحانه وتعالى ومواساة . نعم ونفذ أمر الله وعشنا في شدة قل أن يحتملها بشر، وظننا أننا سنعيش في صمت نضمد الجراح لا تلاحقنا فيه قسوة الاستجوابات والتحقيقات . فقد انتهت المعركة الفاجرة بعد الأحكام وتنفيذها. ولكن كيف ! ! فما زال الفجار يطلبونني للمكاتب وأترك حميدة نهبا للألم والقلق والانتظار الخائف القلق حتى أعود إليها فتسألني، فأحكي لها أن الطغاة قبضوا على مسلمين جدد وأنهم يسألونني عن أسماء لا أعرفها، ويريدون أن يلفقوا لي قضية أخرى فحكم المؤبد لا يكفيهم . نعم عشنا بعد الأحكام وتنفيذها في السجن الحربي مهددين ، لم ترتفع عن حياتنا ظلال التهديد والتعذيب . لكنا وجدنا في القران خير سكن فعشنا معه وصدق الله ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد : 128 ، وطلبنا أن يصرحوا لنا بقراءة الجرائد وأمر حمزة بإحضارها لنا على حساب أماناتنا في السجن ، وجاءتنا الجرائد فخففت من قسوة
الانقطاع ووصلتنا بأخبار الأحياء خارج الأسوار ! . عشنا في السجن الحربي نلوك شدة قسوة الأيام وتهديدات المكاتب ، فلم تنقطع المؤامرات على حكم عبد الناصر وكلما وجدوا مشتركا في مؤامرة عسكرية سألوا زينب الغزالي هل تعرفه ، وتكررت صور الإرهاب والتهديد ، فلم تكن تمر أيام إلا ومؤامرة عسكرية جديدة ، والويل لزينب الغزالي إذا كان بالمؤامرة مدني! ! .
الأيام الأخيرة بعد الأحكام في السجن الحربي
يوم تنفيذ الأحكام رأيت سيد قطب في سنة خفيفة بعد صلاة الفجر. فقال لي : إعلمي أني لم أكن معهم ، أنا كنت في المدينة مع حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتنبهت فحكيت لحميدة .
وفى صبيحة اليوم الثاني لتنفيذ أحكام الإعدام ، أخذتني سنة من النوم كذلك بعد صلاة الفجر، وأنا أتلو أذكار ختم الصلاة، فسمعت صوتا يقول لي: سيد في الفردوس الأعلى ورفقته في عليين .
تنبهت وحكيت لحميدة فانهمرت دموعها وقالت : أنا على ثقة من فضل الله علينا وبأنه
إن شاء الله في الفردوس الأعلى . قلت لها: وهذه الرؤى تثبيت من الله سبحانه وتعالى ومواساة . نعم ونفذ أمر الله وعشنا في شدة قل أن يحتملها بشر، وظننا أننا سنعيش في صمت نضمد الجراح لا تلاحقنا فيه قسوة الاستجوابات والتحقيقات . فقد انتهت المعركة الفاجرة بعد الأحكام وتنفيذها. ولكن كيف ! ! فما زال الفجار يطلبونني للمكاتب وأترك حميدة نهبا للألم والقلق والانتظار الخائف القلق حتى أعود إليها فتسألني، فأحكي لها أن الطغاة قبضوا على مسلمين جدد وأنهم يسألونني عن أسماء لا أعرفها، ويريدون أن يلفقوا لي قضية أخرى فحكم المؤبد لا يكفيهم . نعم عشنا بعد الأحكام وتنفيذها في السجن الحربي مهددين ، لم ترتفع عن حياتنا ظلال التهديد والتعذيب . لكنا وجدنا في القران خير سكن فعشنا معه وصدق الله ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد : 128 ، وطلبنا أن يصرحوا لنا بقراءة الجرائد وأمر حمزة بإحضارها لنا على حساب أماناتنا في السجن ، وجاءتنا الجرائد فخففت من قسوة
الانقطاع ووصلتنا بأخبار الأحياء خارج الأسوار ! . عشنا في السجن الحربي نلوك شدة قسوة الأيام وتهديدات المكاتب ، فلم تنقطع المؤامرات على حكم عبد الناصر وكلما وجدوا مشتركا في مؤامرة عسكرية سألوا زينب الغزالي هل تعرفه ، وتكررت صور الإرهاب والتهديد ، فلم تكن تمر أيام إلا ومؤامرة عسكرية جديدة ، والويل لزينب الغزالي إذا كان بالمؤامرة مدني! ! .

جيـــان
•
الباب السادس
ومات زوجي
عقب رجوعي من سماع الأحكام طلبت من حمزة البسيوني أن يرسل لزوجي لأنني أريد مقابلته ، ولما لم يحضر كررت طلبي، فطلبوني في المكتب وسألوني عن سبب إلحاحي فقلت : لقد حكم على بالسجن 25 سنة وأنا أريد أن أبلغه أنني أعفيه من التمسك برباط الزوجية ليكون حرا بعد ذلك في تصرفه .
أجاب حمزة في غلظة : سيعملها جمال عبد الناصر، ما أعدمكيشي . لكن حا يموتك بالتدريج ! . . .
قلت : الله الفعال ، وعبد الناصر وأنتم والدنيا كلها مجتمعة لا تستطيع أن تسقط ورقة من شجرة إلا بإذن الله .
قال : نحن سنأتي لك قريبا بورقة الطلاق . خرجت وأنا أقول : أنتم وحوش .
وعدت إلى الزنزانة ، ومرت أيام قاسية ، وفى يوم كنت أصلى الفجر وأتلو القرآن فأخذتني سنة من النوم ، فرأيت فيما يرى النائم صورة زوجي في صفحة الوفيات وأنا أقرأ نعيه ، انتبهت وأنا أردد : اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه !
ووجدت حميدة تردد نفس الدعاء، دهشت لكنى كتمت عنها ما رأيت ، وتكررت الرؤيا .
ووصلتنا الجرائد صباح يوم جمعة فأخذت أتصفحها، وإذا بي أجد نعى زوجي . قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد! رسول الله ، إنا لله وإنا إليه راجعون . في الجنة إن شاء الله يا حاج محمد! .
توفى زوجي . . ولقي ربه ، يحمل بين يديه سجلاً حافلاً بفجور الطغاة، يعرضه عليه سبحانه ، الحي القيوم ، الديان ، مالك السماوات والأرض . لقد حمله الطغاة، وهو على فراش المرض ومصابا بالذبحة الصدرية، إلى السجن ، وقد ساوموه على حريته نظير أن يدلي بأقوال معينة ضدي . . أنا زوجته ! ! فلما رفض نقلوه إلى سجن انفرادي، فيا للعار! ! لقد آثر أن يلقى سالم محمد سالم فوق إسفلت الزنزانة، وأن يظل كذلك حتى تهددت حياته بالخطر، وطلب طبيب السجن الحربي "دكتور ماجد" ضرورة الإفراج عنه لخطورة الحالة .
وقد شاء الله له أن يفرج عنه ، وأن يعيش ، حتى يسمع الأحكام التي تصم العهد بالوحشية والظلم والبربرية . . فعاوده المرض ولقي ربه ، يشكو إليه في أعلى سماواته ظلم الطغاة وفجورهم على أرضه .
ومرت أيام وجاءت الأسرة لزيارتي، ومنها علمت أن جمال عبد الناصر وجنده خيروا الرجل الطيب الإنسان الفاضل زوجي المرحوم الحاج محمد سالم سالم بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن يطلق زينب الغزالي الجبيلي أو أن ينقل إلى السجن الحربي، وطلب منهم مهلة أسبوعين يفكر . فأصروا على الاختيار فورا، وكان معهم المدعو أبو الوفا دنقل يهدد الحاج محمد بتنفيذ أمر عبد الناصر، بل إن الفجور بلغ برجال المباحث أنهم أحضروا المأذون معهم ليجري الطلاق .
وقع زوجي على ما كتبوا له وهو يقول : اللهم اشهد إنني لم أطلق زوجتي زينب الغزالي الجبيلي .
كما قال لهم : أنا سأموت ، اتركوني أموت بكرامتي، أنا سأموت وهى على عصمتي، حصل ذلك ولأن زوجي مريض ، أصيب بعد سماع الأحكام بشلل نصفي، وكان من قبل مصابا بذبحة نتيجة استيلاء عبد الناصر على شركاته وأمواله وأرضه وبيته . . فحسبنا الله ونعم الوكيل .
ولم يطل به الأمر، فقد توفى رحمه الله بعد توقيعه على الطلاق . وسمعت الأسرة وقالت شقيقتي : إنها لما سمعت بما حدث غضبت ورفعت صورة للحاج كانت في حجرة الصالون .
وغضبت منها وطلبت أن تعاد الصورة . فزوجي كان أخي في الله قبل أن يكون زوجي، وبيتي سيبقى بيته مادمت على قيد الحياة. لقد جمعت بيننا العقيدة قبل أن يجمع الزواج ، والزواج عرض من أعراض الحياة ، ولكن الأخوة في الله باقية خالدة لا تزول ولا تقاس بها الدنيا وما فيها، وعرفت أيضا من الأسرة أنها قد حضرت منذ اللحظة الأولى للوفاة واشتركت في تشييع الجنازة والعزاء قامت بما عليها من واجب وأحسست بشيء من الراحة لذلك .
وحين خلوت إلى نفسي تذكرت رؤيا من الله على بها إذ رأيت حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأرخت لها بين سطور المصحف الذي كنت أقرأ فيه ، وعدت إلى التاريخ فوجدته مطابقا لتاريخ حادث الطلاق .
نعم رأيـت حضـرة النبي عليه الصلاة والسلام يمشى بملابس بيـضاء وخلفه مباشرة حسن الهضيبي بملابس بيضاء وعلى رأسه طاقية . وأنا أقف ومعي السيدة عائشة ومعها عدد من النساء، وقع في نفسي أنهن وصيفاتها، وكانت السيدة توصيني بكلمات ، فلما أصبح الرسول عليه السلام في محاذاتنا نادى عائشة، وقال لها : صبرا يا عائشة، صبرا يا عائشة، صبرا يا عائشة، وكانت حقا عائشة رضى الله عنها تشد يدي كل مرة وتوصيني بالصبر! .
قمت وحكيت الرؤيا لحميدة ، وأخذت أسال الله أن يرزقني الرضا والاحتمال ، وتيقنت أن اختبارا جديدا في طريقه إلى ، فأخذت أضرع إلى الله أن يمنحني عونه وصبره وثباتا منه سبحانه وتعالى، إنه مجيب الدعوات .
وانضم إلينا جيران جدد وفى ليلة من ليالي الشتاء الباردة سمعنا ضجة وجلبة في الزنزانة المقابلة. وفتحت زنزانتنا ودخل صلاح التمرجي وطلب منا دواء ضد القيء كان قد أدخله لنا في الصباح ، وأعطيناه الدواء .
وعلمنا منه في اليوم التالي أن المسجون في الزنزانة المقابلة رئيس وزراء اليمن ومعه عشرون آخرون من رجال الحكم هناك ، وأن الشيخ الإريانى في الزنزانة المجاورة، لم ندهش لذلك ، فليس ثمة شيء يدهش ، وكما يقال من يعش رجبا يرى عجبا!!
هل حرر عبد الناصر اليمن بما فعل كما قالت أبواق دعايته ؟ هل سمعتم أن إنجلترا عندما استعمرت مصر، أخذت عشرات من رجالها إلى سجون لندن ؟ هل حملت بوارج بونابرت إلى سجون باريس رجال مصر بعد حملتها عليها؟
ومات زوجي
عقب رجوعي من سماع الأحكام طلبت من حمزة البسيوني أن يرسل لزوجي لأنني أريد مقابلته ، ولما لم يحضر كررت طلبي، فطلبوني في المكتب وسألوني عن سبب إلحاحي فقلت : لقد حكم على بالسجن 25 سنة وأنا أريد أن أبلغه أنني أعفيه من التمسك برباط الزوجية ليكون حرا بعد ذلك في تصرفه .
أجاب حمزة في غلظة : سيعملها جمال عبد الناصر، ما أعدمكيشي . لكن حا يموتك بالتدريج ! . . .
قلت : الله الفعال ، وعبد الناصر وأنتم والدنيا كلها مجتمعة لا تستطيع أن تسقط ورقة من شجرة إلا بإذن الله .
قال : نحن سنأتي لك قريبا بورقة الطلاق . خرجت وأنا أقول : أنتم وحوش .
وعدت إلى الزنزانة ، ومرت أيام قاسية ، وفى يوم كنت أصلى الفجر وأتلو القرآن فأخذتني سنة من النوم ، فرأيت فيما يرى النائم صورة زوجي في صفحة الوفيات وأنا أقرأ نعيه ، انتبهت وأنا أردد : اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه !
ووجدت حميدة تردد نفس الدعاء، دهشت لكنى كتمت عنها ما رأيت ، وتكررت الرؤيا .
ووصلتنا الجرائد صباح يوم جمعة فأخذت أتصفحها، وإذا بي أجد نعى زوجي . قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد! رسول الله ، إنا لله وإنا إليه راجعون . في الجنة إن شاء الله يا حاج محمد! .
توفى زوجي . . ولقي ربه ، يحمل بين يديه سجلاً حافلاً بفجور الطغاة، يعرضه عليه سبحانه ، الحي القيوم ، الديان ، مالك السماوات والأرض . لقد حمله الطغاة، وهو على فراش المرض ومصابا بالذبحة الصدرية، إلى السجن ، وقد ساوموه على حريته نظير أن يدلي بأقوال معينة ضدي . . أنا زوجته ! ! فلما رفض نقلوه إلى سجن انفرادي، فيا للعار! ! لقد آثر أن يلقى سالم محمد سالم فوق إسفلت الزنزانة، وأن يظل كذلك حتى تهددت حياته بالخطر، وطلب طبيب السجن الحربي "دكتور ماجد" ضرورة الإفراج عنه لخطورة الحالة .
وقد شاء الله له أن يفرج عنه ، وأن يعيش ، حتى يسمع الأحكام التي تصم العهد بالوحشية والظلم والبربرية . . فعاوده المرض ولقي ربه ، يشكو إليه في أعلى سماواته ظلم الطغاة وفجورهم على أرضه .
ومرت أيام وجاءت الأسرة لزيارتي، ومنها علمت أن جمال عبد الناصر وجنده خيروا الرجل الطيب الإنسان الفاضل زوجي المرحوم الحاج محمد سالم سالم بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن يطلق زينب الغزالي الجبيلي أو أن ينقل إلى السجن الحربي، وطلب منهم مهلة أسبوعين يفكر . فأصروا على الاختيار فورا، وكان معهم المدعو أبو الوفا دنقل يهدد الحاج محمد بتنفيذ أمر عبد الناصر، بل إن الفجور بلغ برجال المباحث أنهم أحضروا المأذون معهم ليجري الطلاق .
وقع زوجي على ما كتبوا له وهو يقول : اللهم اشهد إنني لم أطلق زوجتي زينب الغزالي الجبيلي .
كما قال لهم : أنا سأموت ، اتركوني أموت بكرامتي، أنا سأموت وهى على عصمتي، حصل ذلك ولأن زوجي مريض ، أصيب بعد سماع الأحكام بشلل نصفي، وكان من قبل مصابا بذبحة نتيجة استيلاء عبد الناصر على شركاته وأمواله وأرضه وبيته . . فحسبنا الله ونعم الوكيل .
ولم يطل به الأمر، فقد توفى رحمه الله بعد توقيعه على الطلاق . وسمعت الأسرة وقالت شقيقتي : إنها لما سمعت بما حدث غضبت ورفعت صورة للحاج كانت في حجرة الصالون .
وغضبت منها وطلبت أن تعاد الصورة . فزوجي كان أخي في الله قبل أن يكون زوجي، وبيتي سيبقى بيته مادمت على قيد الحياة. لقد جمعت بيننا العقيدة قبل أن يجمع الزواج ، والزواج عرض من أعراض الحياة ، ولكن الأخوة في الله باقية خالدة لا تزول ولا تقاس بها الدنيا وما فيها، وعرفت أيضا من الأسرة أنها قد حضرت منذ اللحظة الأولى للوفاة واشتركت في تشييع الجنازة والعزاء قامت بما عليها من واجب وأحسست بشيء من الراحة لذلك .
وحين خلوت إلى نفسي تذكرت رؤيا من الله على بها إذ رأيت حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأرخت لها بين سطور المصحف الذي كنت أقرأ فيه ، وعدت إلى التاريخ فوجدته مطابقا لتاريخ حادث الطلاق .
نعم رأيـت حضـرة النبي عليه الصلاة والسلام يمشى بملابس بيـضاء وخلفه مباشرة حسن الهضيبي بملابس بيضاء وعلى رأسه طاقية . وأنا أقف ومعي السيدة عائشة ومعها عدد من النساء، وقع في نفسي أنهن وصيفاتها، وكانت السيدة توصيني بكلمات ، فلما أصبح الرسول عليه السلام في محاذاتنا نادى عائشة، وقال لها : صبرا يا عائشة، صبرا يا عائشة، صبرا يا عائشة، وكانت حقا عائشة رضى الله عنها تشد يدي كل مرة وتوصيني بالصبر! .
قمت وحكيت الرؤيا لحميدة ، وأخذت أسال الله أن يرزقني الرضا والاحتمال ، وتيقنت أن اختبارا جديدا في طريقه إلى ، فأخذت أضرع إلى الله أن يمنحني عونه وصبره وثباتا منه سبحانه وتعالى، إنه مجيب الدعوات .
وانضم إلينا جيران جدد وفى ليلة من ليالي الشتاء الباردة سمعنا ضجة وجلبة في الزنزانة المقابلة. وفتحت زنزانتنا ودخل صلاح التمرجي وطلب منا دواء ضد القيء كان قد أدخله لنا في الصباح ، وأعطيناه الدواء .
وعلمنا منه في اليوم التالي أن المسجون في الزنزانة المقابلة رئيس وزراء اليمن ومعه عشرون آخرون من رجال الحكم هناك ، وأن الشيخ الإريانى في الزنزانة المجاورة، لم ندهش لذلك ، فليس ثمة شيء يدهش ، وكما يقال من يعش رجبا يرى عجبا!!
هل حرر عبد الناصر اليمن بما فعل كما قالت أبواق دعايته ؟ هل سمعتم أن إنجلترا عندما استعمرت مصر، أخذت عشرات من رجالها إلى سجون لندن ؟ هل حملت بوارج بونابرت إلى سجون باريس رجال مصر بعد حملتها عليها؟

جيـــان
•
الباب السادس
يجب أن يحاكم عبد الناصر
هل لي أن أتساءل لما لم يحاكم عبد الناصر على ما ارتكب من جرائم لتستطيع مصر أن تواجه التاريخ وتقف ورأسها مرفوع ؟ .
إن الأمر لجد خطير إن لم تبرأ مصر من جرائم وقعت في عهد عبد الناصر .
والى أن يأتي ذلك اليوم فستظل مصر كلها مسئولة عن جرائمه ؟ اللهم إلا الجماعة الإسلامية – جماعة الإخوان المسلمين – التي برئت إلى الله ورفعت صوتها عاليا باستنكار جرائمه ، لقد خدعها في أيام الحركة الأولى فأيدته ، ولما علمت من هو، ولمن عمالته قررت في عزمة الإيمان أن تقاومه ، وكانت معركة الشرف بين الحق والباطل سنة 1954 ، ثم معركة المجد سنة1965 ، نعم كانت معركة65 معركة مجد وشرف ، لبعث الإسلام شامخا قويا، بعد أن خيل للطاغوت أن دعوة الإخوان أصبحت تاريخا يروى وعملا سدلت عليه الأستار، وقصصا تلوكها الألسنة وبعض رجال خلف قضبان السجون .
كانت معركة1965 وثبة الأشبال ونهضة الشباب من الجيل الذي ولد في أيام انقلاب عبد الناصر وصب به كل ما يملك من سموم إعلامه وصناع حكمه . نعم ذلك الجيل الذي استوعبناه وبنينا به بعثتنا للدعوة ونظمنا به صفوفنا من جديد، فجن جنون عبد الناصر؟ فقد سلبته امرأة ورجل جيله كما كان يصيح فيمن حوله ، كانت المرأة أنا وكان الرجل عبد الفتاح عبده إسماعيل .
نعم أخذنا من جيله ذلك الفخار من شبابنا فبنيناه للإسلام ، وكانت معركة دفعنا فيها أغلى رجال الدعوة: سيد قطب الإمام الفقيه ، وعبد الفتاح إسماعيل رجل في أمة وأمة في رجل ، ومحمد هواش ذلك العملاق في الدعوة وفقهها .
وانتهت أيام السجن الحربي ، والإخوان المسلمون كالطود الشامخ شرفا ورجولة ومجدا .
أما عبد الناصر فسجل خزيه يوم حملتنا عرباته وعساكره في الخامس من يونيه من السجون الحربية إلى السجون المدنية لتفسح المجال لمن امتلأت بهم السجون من طغمته ، يستر بهم عاره ويخفى بهم عمالته ، ليستطيع أن يكمل المشوار إلى حيث يتم تنفيذ خطة الأسياد نعم جاء الخامس من يونيو بخزيه وعاره اللذين سيكبلان فرعون القرن العشرين ذلك "الذي طغى في البلاد . فأكثر فيها الفساد" سيكلله بخزيه وعاره يوم يبعث للحساب .
يجب أن يحاكم عبد الناصر
هل لي أن أتساءل لما لم يحاكم عبد الناصر على ما ارتكب من جرائم لتستطيع مصر أن تواجه التاريخ وتقف ورأسها مرفوع ؟ .
إن الأمر لجد خطير إن لم تبرأ مصر من جرائم وقعت في عهد عبد الناصر .
والى أن يأتي ذلك اليوم فستظل مصر كلها مسئولة عن جرائمه ؟ اللهم إلا الجماعة الإسلامية – جماعة الإخوان المسلمين – التي برئت إلى الله ورفعت صوتها عاليا باستنكار جرائمه ، لقد خدعها في أيام الحركة الأولى فأيدته ، ولما علمت من هو، ولمن عمالته قررت في عزمة الإيمان أن تقاومه ، وكانت معركة الشرف بين الحق والباطل سنة 1954 ، ثم معركة المجد سنة1965 ، نعم كانت معركة65 معركة مجد وشرف ، لبعث الإسلام شامخا قويا، بعد أن خيل للطاغوت أن دعوة الإخوان أصبحت تاريخا يروى وعملا سدلت عليه الأستار، وقصصا تلوكها الألسنة وبعض رجال خلف قضبان السجون .
كانت معركة1965 وثبة الأشبال ونهضة الشباب من الجيل الذي ولد في أيام انقلاب عبد الناصر وصب به كل ما يملك من سموم إعلامه وصناع حكمه . نعم ذلك الجيل الذي استوعبناه وبنينا به بعثتنا للدعوة ونظمنا به صفوفنا من جديد، فجن جنون عبد الناصر؟ فقد سلبته امرأة ورجل جيله كما كان يصيح فيمن حوله ، كانت المرأة أنا وكان الرجل عبد الفتاح عبده إسماعيل .
نعم أخذنا من جيله ذلك الفخار من شبابنا فبنيناه للإسلام ، وكانت معركة دفعنا فيها أغلى رجال الدعوة: سيد قطب الإمام الفقيه ، وعبد الفتاح إسماعيل رجل في أمة وأمة في رجل ، ومحمد هواش ذلك العملاق في الدعوة وفقهها .
وانتهت أيام السجن الحربي ، والإخوان المسلمون كالطود الشامخ شرفا ورجولة ومجدا .
أما عبد الناصر فسجل خزيه يوم حملتنا عرباته وعساكره في الخامس من يونيه من السجون الحربية إلى السجون المدنية لتفسح المجال لمن امتلأت بهم السجون من طغمته ، يستر بهم عاره ويخفى بهم عمالته ، ليستطيع أن يكمل المشوار إلى حيث يتم تنفيذ خطة الأسياد نعم جاء الخامس من يونيو بخزيه وعاره اللذين سيكبلان فرعون القرن العشرين ذلك "الذي طغى في البلاد . فأكثر فيها الفساد" سيكلله بخزيه وعاره يوم يبعث للحساب .
الصفحة الأخيرة
النطق بالأحكام
جاء اليوم الموعود للنطق بالأحكام ، أخرجونا أنا وحميدة في عربة خلف عربة الرجال ومعنا الحرس ، وذهبنا لنستمع إلى الأحكام . أجلسونا في حجرة وانتظرنا إلى أن انتهى الحكم على الرجال فأدخلونا القاعة وكان أحد الضباط يجلس فيها، نادى اسمي ثم قال : زينب الغزالي الجبيلي أشغال شاقة مؤبدة25 عاما مع مصادرة المضبوطات . قلت : الله اكبر ولله الحمد، في سبيل الله وفى سبيل دعوة الحق ، دعوة الإسلام ، ! ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) آل عمران
ثم نادى حميدة قطب وقال : عشر سنوات أشغال شاقة، فضممتها إلى صدري وأنا أردد : الله اكبر ولله الحمد، في سبيل دولة القران ، الحاكمة بالقرآن والسنة إن شاء الله.
وصرنا نردد هذا حتى وصلنا إلى حوش المحكمة ، فوجدنا الإخوان في العربات ، وكنا قلقين نريد أن نطمئن على أحكامهم ، فلما رأونا صاحوا سائلين : إيه يا أخت زينب ؟!
قلت :25 سنة أشغال شاقة مؤبدة في سبيل دولة الإسلام الحاكمة بالقرآن والسنة إن شاء الله .
عادوا يسألون : والأخت حميدة؟ قلت : عشر سنوات أشغال في سبيل الله ودعوة الإسلام .
وسألتهم عن أحكام الأخ سيد قطب والأخ عبد الفتاح إسماعيل ويوسف هواش وبقية الإخوة.
فقالوا: شهداء في سبيل الله ! ففهمت أنه إعدام وقلت : اللهم تقبل في سبيل دولة الإسلام الحاكمة بالقرآن والسنة إن شاء الله .
وجاء صفوت الروبي ومعه عساكر من السجن الحربي وعساكر من البوليس فأخذوني وحميدة بالقوة إلى عربة صغيرة وجاء الصحفيون ليصورونا، وهجمت على آلة تصوير أحدهم أريد تكسيرها. . صائحة فيهم : يا مصفقون لكل ظالم ' يا آكلي السحت على موائد الطواغيت ، ماذا تفعلون ؟ وعدنا إلى السجن وجرت المحاسبة على ما صدر. ومنذ هذا التاريخ بعد صدور الأحكام جمعونا أنا وحميدة قطب في زنزانة واحدة .