الوردة القرمزية
بسـم الله الرحمـن الرحيـم

أخواتـي العزيـزات...
السـلام عليكـم ورحمـة الله وبركاتـه...
أبـدأ اليـوم مـع أول آيـات سـورة البقـرة...

عـن أبـي هريـرة رضـي الله عنـه قـال: {{ لا تجعلـوا بيوتكـم قبـوراً فـإن البيـت الـذي تقـرأ فيـه سـورة البقـرة لا يدخلـه الشـيطـان }}.

بسـم الله الرحمـن الرحيـم

(( الـم ● ذلـك الكتـاب لا ريـب فيـه هـدى للمتقيـن )) / 2 /

(( الـم )) اختلـف المفسـرون فـي الحـروف المقطعـة التـي فـي أوائـل السـور، فمنهـم مـن قـال: هـي ممـا اسـتأثر الله بعلمـه فـردوا علمهـا إلـى الله ولـم يفسـروها، حكـاه القرطبـي فـي تفسـيره، ومنهـم مـن فسـرها، واختلـف هـؤلاء فـي معناهـا فقـال بعضهـم، هـي أسـماء السـور، قـال الزمخشـري: وعليـه إطبـاق الأكثـر، وقيـل هـي مـن أسـماء الله تعالـى يفتتـح بهـا السـور، فكـل حـرف منهـا دل علـى اسـم مـن أسـمائه وصفـة مـن صفاتـه، فالألـف مفتـاح اسـم ( الله ) والـلام مفتـاح اسـمه ( اللطيـف ) والميـم مفتـاح اسـمه ( المجيـد ) ، وقـال آخـرون: إنمـا ذكـرت هـذه الحـروف فـي أوائـل السـور التـي ذكـرت فيهـا بيانـاً لـ ( إعجـاز القـرآن ) وأن الخلـق عاجـزون عـن معارضتـه بمثلـه، مـع أنـه مركـب مـن هـذه الحـروف المقطعـة التـي يتخاطبـون بهـا.

قـال الزمخشـري: ولـم تـرد كلهـا مجموعـة فـي أول القـرآن، وإنمـا كـررت ليكـون أبلـغ فـي التحـدي والتبكيـت، كمـا كـررت قصـص كثيـرة، وكـرر التحـدي الصريـح فـي أماكـن، وجـاء منهـا علـى حـرف واحـد مثـل (( ص )) وحرفيـن مثـل (( حـم )) وثلاثـة مثـل (( المـص )) وخمسـة مثـل (( كهيعـص )) لأن أسـاليب كلامهـم منهـا علـى حـرف وعلـى حرفيـن وعلـى ثلاثـة وعلـى أربعـة وعلـى خمسـة لا أكثـر مـن ذلـك.

قـال ابـن كثيـر: ولهـذا كـل سـورة افتتحـت بالحـروف فـلا بـد أن يذكـر فيهـا الانتصـار للقـرآن، وبيـان إعجـازه وعظمتـه، وهـذا معلـوم بالاسـتقراء فـي تسـع وعشـرين سـورة مثـل: (( الـم . ذلـك الكتـاب لا ريـب فيـه )) (( الـم . الله لا إلـه إلا هـو الحـي القيـوم . نـزل عليـك القـرآن بالحـق )) (( المـص . كتـاب أنزلنـاه إليـك )) (( الـم . تنزيـل الكتـاب لا ريـب فيـه )) (( حـم . تنزيـلٌ مـن الرحمـن الرحيـم )) وغيـر ذلـك مـن الآيـات الدالـة علـى صحـة مـا ذهـب إليـه هـؤلاء لمـن أمعـن النظـر.

(( ذلـك الكتـاب )) قـال ابـن عبـاس: أي هـذا الكتـاب. والعـرب تعـارض بيـن اسـمي الإشـارة إلـى التـوراة والإنجيـل فقـد أبعـد النجعـة، وأغـرق فـي النـزع، وتكلـف مـا لا علـم لـه بـه. والريـب: الشـك، أي لا شـك فيـه، روي ذلـك عـن أنـاس مـن أصحـاب رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم. وقـال ابـن أبـي حاتـم: لا أعلـم فـي هـذا خلافـاً.

والمعنـى: إن هـذا الكتـاب ( القـرآن ) لا شـك فيـه أنـه نـزل مـن عنـد الله كمـا قـال تعالـى:
(( تنزيـل الكتـاب لا ريـب فيـه مـن رب العالميـن )). وقـال بعضهـم: هـذا خبـر ومعنـاه النهـي، أي لا ترتابـوا فيـه. وخصـت الهدايـة للمتقيـن كمـا غيـر ذلـك مـن الآيـات الدالـة علـى
اختصـاص المؤمنيـن بالنفـع بالقـرآن، لأنـه هـو فـي نفسـه هـدى، ولكـن لا ينالـه إلا الأبـرار كمـا قـال تعالـى: (( وهـدى ورحمـة للمؤمنيـن )) . قـال السّـدي: (( هـدى للمتقيـن )) يعنـي نـوراً للمتقيـن، وعـن ابـن عبـاس: المتقـون هـم المؤمنـون الذيـن يتقـون الشـرك ويعملـون بطاعـة الله ، وقـال الحسـن البصـري: اتقـوا مـا حـرم عليهـم، وأدوا مـا افتـرض عليهـم. وقـال قتـادة: هـم الذيـن نعتهـم الله بقولـه: (( الذيـن يؤمنـون بالغيـب ويقيمـون الصـلاة )) ، واختيـار ابـن جريـر أن الآيـة تعـم ذلـك كلـه، وهـو كمـا قـال فـي الحديـث الشـريف: {{ لا يبلـغ العبـد أن يكـون مـن المتقيـن حتـى يـدع مـا لا بـأس بـه حـذراً ممـا بـه بـأس )) .

ويطلـق الهـدى ويـراد بـه مـا يقـر فـي القلـب مـن الإيمـان، وهـذا لا يقـدر علـى خلقـه فـي قلـوب العبـاد إلا الله عـز وجـل.
قـال تعالـى: (( إنـك لا تهـدي مـن أحببـت )) ، وقـال: (( ليـس عليـك هداهـم )) وقـال: (( مـن يضلـل الله فـلا هـادي لـه )) .
ويطلـق ويـراد بـه بيـان الحـق والدلالـة عليـه، وقـال تعالـى: (( وإنـك لتهـدي إلـى صـراط مسـتقيم )) ، وقـال: (( ولكـل قـوم هـاد )) ، وقـال: (( وأمـا ثمـود فهديناهـم فاسـتحبوا العمـى علـى الهـدى )) .
وأصـل التقـوى التوقـي ممـا يكـره لأن أصلهـا مـن الوقايـة.
وسـأل عمـر ( أبـي بـن كعـب ) عـن التقـوى فقـال لـه: أمـا سـلكت طريقـاً ذا شـوك ؟ قـال بلـى، قـال: فمـا عملـت ؟ قـال: شـمرت واجتهـدت، قـال: فذلـك التقـوى.
وفـي سـنن ابـن ماجـه عـن رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم أنـه قـال: {{ مـا اسـتفاد المـرء بعـد تقـوى الله خيـراً مـن زوجـة صالحـة، إن نظـر إليهـا سـرته، وإن أمرهـا أطاعتـه، وإن أقسـم عليهـا أبرتـه، وإن غـاب عنهـا نصحتـه فـي نفسـها ومالـه }} .

مختصـر ابـن كثيـر/ صفحـة 27 ، 28 /

يتبـع... إن شـاء الله...
الوردة القرمزية
بسـم الله الرحمـن الرحيـم

نتابـع مـع آيـات سـورة البقـرة...

قـال تعالـى:

(( الذيـن يؤمنـون بالغـيـب ويقيمـون الصـلاة وممـا رزقناهـم ينفقـون )) / 3 /

الإيمـان فـي اللغـة يطلـق علـى التصديـق المحـض كمـا قـال تعالـى: (( يؤمـن بالله ويؤمـن للمؤمنيـن )) ، وكمـا قـال إخـوة يوسـف لأبيهـم: (( ومـا أنـت بمؤمـن لنـا ولـو كنـا صادقيـن )) وكذلـك إذا اسـتعمل مقرونـاً مـع الأعمـال: (( إلا الذيـن آمنـوا وعملـوا الصالحـات )) . فأمـا إذا اسـتعمل مطلقـاً فالإيمـان المطلـوب لا يكـون إلا اعتقـاداً وقـولاً وعمـلاً، هكـذا ذهـب أكثـر الأئمـة وحكـاه الشـافعي وأحمـد إجماعـاً: أن الإيمـان قـول وعمـل، يزيـد وينقـص. وقـد ورد فيـه آثـار كثيـرة. ومنهـم مـن فسـره بالخشـية: (( إن الذيـن يخشـون ربهـم بالغيـب )) ، والخشـية خلاصـة الإيمـان والعلـم: (( إنمـا يخشـى اللهَ مـن عبـاده العلمـاء )) .
وأمـا الغيـب المـراد ههنـا فقـد اختلفـت عبـارات السـلف فيـه، فقـال أبـو العاليـة: يؤمنـون بالله وملائكتـه وكتبـه ورسـله، وجنتـه ولقـاءه، وبالحيـاة بعـد المـوت فهـذا غيـب كلـه.
وقـال السّـدي عـن ابـن عبـاس وابـن مسـعود: الغيـب مـا غـاب عـن العبـاد مـن أمـر الجنـة وأمـر النـار ومـا ذكـر فـي القـرآن.
وقـال عطـاء: مـن آمـن بالله فقـد آمـن بالغيـب. فكـل هـذه متقاربـة فـي معنـى واحـد والجميـع مـراد.
روى ابـن كثيـر فـي سـنده عـن عبـد الرحمـن بـن يزيـد أنـه قـال: ( كنـا عنـد عبـد الله بـن مسـعود جلوسـاً فذكرنـا أصحـاب النبـي صلـى الله عليـه وسـلم ومـا سـبقونا بـه، فقـال عبـد الله : إن أمـر محمـد صلـى الله عليـه وسـلم كـان بينـاً لمـن رآه، والـذي لا إلـه غيـره مـا آمـن أحـد قـط إيمانـاً أفضـل مـن إيمـان بالغيـب، ثـم قـرأ: (( الذيـن يؤمنـون بالغيـب _ إلـى قولـه _ المفلحـون )) .
وفـي معنـى هـذا الحديـث مـا رواه أحمـد عـن ( ابـن محيريـز ) قـال: قلـت لأبـي جمعـة حدثنـا حديثـاً سـمعته مـن رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم، قـال: نعـم أحدثـك حديثـاً جيـداً: {{ تغدينـا مـع رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم ومعنـا أبـو عبيـدة بـن الجـراح فقـال يـا رسـول الله : هـل أحـد خيـر منـا ؟ أسـلمنا معـك، وجاهدنـا معـك. قـال: نعـم، قـوم مـن بعدكـم يؤمنـون بـي ولـم يرونـي }} .
وفـي روايـة أخـرى عـن صالـح بـن جبيـر قـال: قـدم علينـا أبـو جمعـة الأنصـاري، صاحـب رسـول الله ، فلمـا انصـرف خرجنـا نشـيعه فلمـا أراد الانصـراف قـال: إن لكـم جائـزة وحقـاً، أحدثكـم بحديـث سـمعته مـن رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم، قلنـا: هـات رحمـك الله ، قـال: كنـا مـع رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم _ ومعنـا معـاذ بـن جبـل عاشـر عشـرة _ فقلنـا يـا رسـول الله : هـل مـن قـوم أعظـم منـا أجـراً ؟ آمنـا بـك واتبعنـاك، قـال: {{ مـا يمنعكـم مـن ذلـك ورسـول الله بيـن أظهركـم يأتيكـم بالوحـي مـن السـماء؟ بـل قـوم بعدكـم يأتيهـم كتـاب مـن بيـن لوحيـن، يؤمنـون بـه ويعملـون بمـا فيـه، أولئـك أعظـم منكـم أجـراً، أولئـك أعظـم منكـم أجـراً }} .

وقولـه تعالـى: (( ويقيمـون الصـلاة )) قـال بـن عبـاس إقامـة الصـلاة: إتمـام الركـوع والسـجود، والتـلاوة والخشـوع، والإقبـال عليهـا فيهـا.
وقـال قتـادة : إقامـة الصـلاة : المحافظـة علـى مواقيتهـا ووضوءهـا، وركوعهـا وسـجودها.

(( وممـا رزقناهـم ينفقـون )) قـال بـن عبـاس: زكـاة أموالهـم. وقـال أنـاس مـن أصحـاب رسـول الله صلـى اله عليـه وسـلم: نفقـة الرجـل علـى أهلـه، وهـذا قبـل أن تنـزل الزكـاة.
وقـال قتـادة : فأنفقـوا ممـا أعطاكـم الله ، هـذه الأمـوال عـوارٍ وودائـع عنـدك يـا ابـن آدم يوشـك أن تفارقهـا.
واختـار ابـن جريـر أن الآيـة عامـة فـي الزكـاة والنفقـات.
قـال ابـن كثيـر: كثيـراً مـا يقـرن الله تعالـى بيـن الزكـاة والإنفـاق مـن الأمـوال، فـإن الصـلاة حـق الله وعبادتـه وهـي مشـتملة علـى توحيـده والثنـاء عليـه، وتمجيـده والابتهـال إليـه، ودعائـه والتوكـل عليـه، والإنفـاق هـو الإحسـان إلـى المخلوقيـن بالنفـع المتعـدي عليهـم، وأولـى النـاس بذلـك القرابـات والأهلـون والمماليـك ثـم الأجانـب، فكـلٌ مـن النفقـات الواجبـة والزكـاة المفروضـة داخـل فـي قولـه تعالـى: (( وممـا رزقناهـم ينفقـون )) .

مختصـر ابـن كثيـر/ صفحـة 29 ، 30 /

يتبـع... إن شـاء الله...
الوردة القرمزية
بسـم الله الرحمـن الرحيـم

(( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون )) / 4 /

قـال ابـن عبـاس: أي يصدقـون بمـا جئـت بـه مـن الله ومـا جـاء مـن قبلـك مـن المرسـلين، لا يفرقـون بينهـم ولا يجحـدون مـا جاءوهـم بـه مـن ربهـم.
(( وبالآخـرة هـم يوقنـون )) أي بالبعـث والقيامـة، والجنـة والنـار، والحسـاب والميـزان، وإنمـا سـميت ( الآخـرة ) لأنهـا بعـد الدنيـا.
وقـد اختلـف المفسـرون فـي الموصوفيـن هنـا علـى ثلاثـة أقـوال حكاهـا ابـن جريـر:
أحدهـا: أن الموصوفيـن أولاً هـم الموصوفـون ثانيـاً، وهـم كـل مؤمـن، مؤمنـو العـرب ومؤمنـو أهـل الكتـاب.
والثانـي: هـم مؤمنـو أهـل الكتـاب، وعلـى هذيـن تكـون الـواو عاطفـة صفـات علـى صفـات كمـا قـال تعالـى: (( سـبح اسـم ربـك الأعلـى . الـذي خلـق فسـوَّى . والـذي قـدر فهـدى )) فعطـف الصفـات بعضهـا علـى بعـض.
والثالـث: أن الموصوفيـن أولاً مؤمنـو العـرب، والموصوفـون ثانيـاً بقولـه: (( يؤمنـون بمـا أنـزل مـن قبلـك )) هـم مؤمنـو أهـل الكتـاب، واختـاره ابـن جريـر ويسـتشـهد بقولـه تعالـى:
(( وإن مـن أهـل الكتـاب لمـن يؤمـن بالله ومـا أنـزل إليكـم ومـا أنـزل إليهـم ))
وبقولـه تعالـى: (( الذيـن آتيناهـم الكتـاب مـن قبلـه هـم بـه يؤمنـون . وإذا يتلـى عليهـم قالـوا أمنـا بـه إنـه الحـق مـن ربنـا إنـا كنـا مـن قبلـه مسـلمين ))
وبمـا روي عـن رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم أنـه قـال: {{ ثلاثـة يؤتـون أجرهـم مرتيـن: رجـل مـن أهـل الكتـاب آمـن بنبيـه وآمـن بـي، ورجـل مملـوك أدى حـق الله وحـق مواليـه، ورجـل أدب جاريتـه فأحسـن تأديبهـا ثـم أعتقهـا وتزوجهـا }}.

قلـت: والظاهـر قـول مجاهـد: أربـع آيـات مـن سـورة البقـرة فـي نعـت المؤمنيـن، وآيتـان فـي نعـت الكافريـن، وثـلاث عشـرة فـي المنافقيـن، وهـذه الآيـات الأربـع عامـة فـي كـل مؤمـن اتصـف بهـا مـن عربـي وعجمـي وكتابـي، مـن إنسـي وجنـي، وليـس تصـح واحـدة مـن هـذه الصفـات بـدون الأخـرى، بـل كـل واحـدة مسـتلزمة للأخـرى وشـرط معهـا، فـلا يصـح الإيمـان بالغيـب إلا مـع الإيمـان بمـا جـاء بـه الرسـول، ومـا جـاء بـه مـن قبلـه مـن الرسـل، والإيقـان بالآخـرة، كمـا أن هـذا لا يصـح إلا بـذاك، وقـد أمـر الله المؤمنيـن بذلـك كمـا قـال تعالـى: (( يـا أيهـا الذيـن آمنـوا . أمنـوا بالله ورسـوله والكتـاب الـذي نـزّل علـى رسـوله والكتـاب الـذي أنـزل مـن قبـل )) وقـال تعالـى: (( وقولـوا آمنـا بالـذي أنـزل إلينـا وأنـزل إليكـم وإلهنـا وإلهكـم واحـد )) .
وأخبـر تعالـى عـن المؤمنيـن كلهـم بذلـك فقـال: (( آمـن الرسـول بمـا أنـزل إليـه مـن ربـه والمؤمنـون كـل آمـن بالله وملائكتـه وكتبـه ورسـله، لا نفـرق بيـن أحـد مـن رسـله )) الآيـة.

(( أولئـك علـى هـدى مـن ربهـم وأولئـك هـم المفلحـون )) / 5 /

يقـول تعالـى: (( أولئـك )) أي المتصفـون بمـا تقـدم مـن الإيمـان بالغيـب، وإقـام الصـلاة، والإنفـاق مـن الـذي رزقهـم الله ، والإيمـان بمـا أنـزل مـن الرسـول، والإيقـان بالآخـرة.
(( علـى الهـدى )) أي علـى نـور وبيـان وبصيـرة مـن الله تعالـى.
(( أولئـك هـم المفلحـون )) أي الذيـن أدركـوا مـا طلبـوا، ونجـوا مـن شـر مـا هربـوا.

(( إن الذيـن كفـروا سـواء عليهـم ءأنذرتهـم أم لـم تنذرهـم لا يؤمنـون )) / 6 /

يقـول تعالـى: ((إن الذيـن كفـروا )) أي غطـوا الحـق وسـتروه، سـواء عليهـم إنـذارك وعدمـه، فإنهـا لا يؤمنـون بمـا جئتهـم بـه،
كمـا قـال تعالـى: (( إن الذيـن حقـت عليهـم كلمـة ربـك لا يؤمنـون ولـو جاءتهـم كـل آيـة حتـى يـروا العـذاب الأليـم )) أي إن مـن كتـب عليـه الشـقاوة فـلا مسـعد لـه، ومـن أضلـه فـلا هـادي لـه، فـلا تذهـب نفسـك عليهـم حسـرات، وبلغهـم الرسـالة، فمـن اسـتجاب لـك فلـه الحـظ الأوفـر، ومـن تولـى فـلا يهمنـك ذلـك (( فإنمـا عليـك البـلاغ وعلينـا الحسـاب )) .

وعـن ابـن عبـاس فـي قولـه: (( إن الذيـن كفـروا...)) الآيـة، قـال: كـان رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم يحـرص أن يؤمـن جميـع النـاس ويتابعـوه علـى الهـدى، فأخبـره الله تعالـى أنـه لا يؤمـن إلا مـن سـبق لـه السـعادة فـي الذكـر الأول، ولا يضـل إلا مـن سـبق لـه الشـقاء فـي الذكـر الأول .
وقولـه تعالـى: (( لا يؤمنـون )) جملـة مؤكـدة للتـي قبلهـا أي هـم كفـار فـي كـلا الحالتيـن.

(( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم )) / 7 /

(( ختـم الله )) أي طبـع علـى قلوبهـم وعلـى سـمعهم (( وعلـى أبصارهـم )) فـلا يبصـرون هـدى، ولا يسـمعون ولا يفقهـون ولا يعقلـون.
قـال مجاهـد: الختـم: الطبـع، ثبتـت الذنـوب علـى القلـب فحفـت بـه مـن كـل نواحيـه حتـى تلتقـي عليـه، فالتقاؤهـا عليـه الطبـع، والطبـع الختـم، وقـد وصـف الله تعالـى نفسـه بالختـم والطبـع علـى قلـوب الكافريـن مجـازاة لكفرهـم كمـا قـال: (( بـل طبـع الله عليهـم بكفرهـم )) .
وفـي الحديـث: {{ يـا مقلـب القلـوب ثبـت قلوبنـا علـى دينـك }} .
قـال ابـن جريـر: وقـال بعضهـم: إن معنـى قولـه تعالـى: (( ختـم الله علـى قلوبهـم )) إخبـار مـن الله عـن تكبرهـم وإعراضهـم عـن الاســتماع لمـا دعـوا إليـه مـن الحـق، كمـا يقـال: فـلان أصـم عـن هـذا الكـلام، إذا امتنـع مـن سـماعه ورفـع نفسـه عـن تفهمـه تكبـراً، وهـذا لا يصـح لأن الله قـد أخبـر أنـه هـو الـذي ختـم علـى قلوبهـم وأسـماعهم.
قلـت: وقـد أطنـب الزمخشـري فـي تقريـر مـا ردّه ابـن جريـر ههنـا، وتـأول الآيـة مـن خمسـة أوجـه وكلهـا ضعيفـة جـداً، ومـا جـرأه علـى ذلـك إلا اعتزالـه، لأن الختـم علـى قلوبهـم ومنعهـا مـن وصـول الحـق إليهـا قبيـح عنـده يتعالـى الله عنـه فـي اعتقـاده.
ولـو فهـم قولـه تعالـى: (( فلمـا زاغـوا أزاغ الله قلوبهـم )) ، وقولـه: (( ونقلـب أفئدتهـم وأبصارهـم كمـا لـم يؤمنـوا بـه أول مـرة )) . ومـا أشـبه ذلـك مـن الآيـات الدالـة علـى أنـه تعالـى إنمـا ختـم علـى قلوبهـم وحـال بينهـم وبيـن الهـدى جـزاء وفاقـاً علـى تماديهـم فـي الباطـل وتركهـم الحـق _ وهـذا عـدل منـه تعالـى حسـن وليـس بقبيـح _ فلـو أحـاط علمـاً بهـذا لمـا قـال مـا قـال.

قـال ابـن جريـر: والحـق عنـدي فـي ذلـك مـا صـح بنظيـره الخبـر عـن رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم أنـه قـال: {{ إن المؤمـن إذا أذنـب ذنبـاً كانـت نكتـة سـوداء فـي قلبـه، فـإن تـاب ونـزع واسـتعتب صقـل قلبـه، وإن زاد زادت حتـى تعلـوا قلبـه، فذلـك الـران الـذي قـال الله تعالـى: (( كـلا بـل ران علـى قلوبهـم مـا كانـوا يكسـبون )) .
فأخبـر صلـى الله عليـه وسـلم أن الذنـوب إذا تتابعـت علـى القلـوب أغلقتهـا، وإذا أغلقتهـا أتاهـا حينئـذ الختـم مـن قبـل الله تعالـى والطبـع فـلا يكـون للإيمـان إليهـا مسـلك، ولا للكفـر عنهـا مخلـص، فذلـك هـو الختـم والطبـع الـذي ذكـره الله فـي قولـه: (( ختـم الله علـى قلوبهـم وعلـى سـمعهم )) نظيـر الطبـع والختـم علـى مـا تدركـه الأبصـار مـن الأوعيـة.

مختصـر ابـن كثيـر/ صفحـة 30 ، 31 ، 32 /

يتبـع إن شـاء الله...
نــــور
نــــور
بمنتهى الروعة و الجمال
بارك الله بك وجعله في ميزان حسناتك
ورده الجوري
ورده الجوري
جزاك الله خير.....اخيتي
وبارك الله فيكي....
:26: