الوردة القرمزية
بسـم الله الرحمـن الرحيـم


(( يـا بنـي إسـرائيلَ اذكـروا نعمتـيَ التـي أنعمـتُ عليكـم وأوفـوا بعهـدي أوفِ بعهدكـم وإيّـاي فارهبـونِ  وآمنـوا بمـا أنزلـتُ مصدقـاً لمـا معكـم ولا تكونـوا أولَ كافـرٍ بـه ولاتشـتروا بآياتـي ثمنـاً قليـلاً وإيّـاي فاتّقـونِ )) / 41 /

يأمـر تعالـى بنـي إسـرائيل بالدخـول فـي الإسـلام، ومتابعـة محمـد عليـه مـن الله أفضـل الصـلاة والسـلام، ومهيجـاً لهـم بذكـر أبيهـم ( إسـرائيل ) وهـو نبـي الله يعقـوب عليـه السـلام، وتقديـره: يـا بنـي العبـد الصالـح المطيـع لله ، كونـوا مثـل أبيكـم فـي متابعـة الحـق، كمـا تقـول: يـا ابـن الكريـم افعـل كـذا، يـا ابـن الشـجاع بـارز الأبطـال، يـا ابـن العالـم اطلـب العلـم، ونحـو ذلـك.
ومـن ذلـك قولـه تعالـى: (( ذريـة مـن حملنـا مـع نـوح إنـه كـان عبـداً شـكوراً )) .
فإسـرائيل هـو يعقـوب بدليـل مـا رواه ابـن عبـاس قـال: حضـرت عصابـة مـن اليهـود نبـي الله صلـى الله عليـه وسـلم فقـال لهـم: {{ هـل تعلمـون أن إسـرائيل يعقـوب ؟ }} قالـوا: اللهـم نعـم، فقـال النبـي صلـى الله عليـه وسـلم: {{ اللهـم اشـهد }} .
وعـن ابـن عبـاس: أن إسـرائيل كقولـك عبـد الله .

وقولـه تعالـى: (( اذكـروا نعمتـي التـي أنعمـت عليكـم )) .
قـال مجاهـد: نعمـة الله التـي أنعـم بهـا عليهـم فيمـا سـمى وفيمـا سـوى ذلـك أن فجَّـر لهـم الحجـر، وأنـزل عليهـم المـن والسـلوى، ونجّـاهم مـن عبوديـة آل فرعـون.
وقـال أبـو العاليـة: نعمتـه أن جعـل منهـم الأنبيـاء والرسـل، وأنـزل عليهـم الكتـب.
قلـت: وهـذا كقـول موسـى عليـه السـلام لهـم: (( يـا قـوم اذكـروا نعمـة الله عليكـم إذ جعـل فيكـم أنبيـاء وجعلكـم ملوكـاً وآتاكـم مـا لـم يـؤت أحـداً مـن العالميـن )) يعنـي فـي زمانهـم.
وقـال محمـد ابـن اسـحاق عـن ابـن عبـاس فـي قولـه تعالـى: (( اذكـروا نعمتـي التـي أنعمـت عليكـم )) أي بلائـي عندكـم وعنـد آبائكـم لمـا كـان نجّـاهم مـن فرعـون وقومـه.
(( وأوفـوا بعهـدي أوفِ بعهدكـم )) ، قـال: بعهـدي الـذي أخـذت فـي أعناقكـم للنبـي صلـى عليـه وسـلم إذا جاءكـم، أنجـز لكـم مـا وعدتكـم عليـه مـن تصديقـه واتباعـه، بوضـع مـا كـان عليكـم مـن الآصـار والأغـلال الـي كانـت فـي أعناقكـم بذنوبكـم التـي كانـت أحداثكـم.
وقـال الحسـن البصـري: هـو قولـه تعالـى: (( ولقـد أخـذ الله ميثـاق بنـي إسـرائيل وبعثنـا منهـم اثنـي عشـر نقيبـاً . وقـال الله إنـي معكـم لئـن أقمتـم الصـلاة وآتيتـم الزكـاة وآمنتـم برسـلي وعزرتموهـم وأقرضتـم الله قرضـاً حسـناً لأكفـرن عنكـم سـيئاتكـم ولأدخلنكـم جنـات تجـري مـن تحتهـا الأنهـار )) الآيـة.
وقـال آخـرون: هـو الـذي أخـذ الله عليهـم فـي التـوراة أنـه سـيبعث مـن بنـي إسـماعيل نبيـاً عظيمـاً يطيعـه جميـع الشـعوب والمـراد بـه محمـد صلـى الله عليـه وسـلم، فمـن اتبعـه غفـر الله ذنبـه وأدخلـه الجنـة وجعـل لـه أجريـن.
وقـد أورد الـرازي بشـارات كثيـرة عـن الأنبيـاء عليهـم الصـلاة والسـلام بمحمـد صلـى الله عليـه وسـلم.
وقـال أبـو العاليـة: (( وأوفـوا بعهـدي )) ، وقـال: عهـده إلـى عبـاده ديـن الإسـلام وأن يتبعـوه.
وقـال الضحّـاك (( أوف بعهدكـم )) : أرضَ عنكـم وأدخلكـم الجنـة.
وقولـه تعالـى: (( وإيـاي فارهبـون )) أي فاخشـون.
وقـال ابـن عبـاس: فـي قولـه تعالـى: (( وإيـاي فارهبـون )) أي أنـزل بكـم مـا أنزلـت بمـن كـان قبلكـم مـن آبائكـم مـن النقمـات التـي قـد عرفتـم مـن المسـخ وغيـره، وهـذا انتقـال مـن الترغيـب إلـى الترهيـب، فدعاهـم إليـه بالرغبـة والرهبـة، لعلهـم يرجعـون إلـى الحـق واتبـاع الرسـول صلـى الله عليـه وسـلم والاتعـاظ بالقـرآن وزواجـره، وامتثـال أوامـره وتصديـق أخبـاره، والله يهـدي مـن يشـاء إلـى صـراط مسـتقيم.
ولهـذا قـال: (( وآمنـوا بمـا أنزلـت مصدقـاً لمـا معكـم )) يعنـي بـه القـرآن الـذي أنـزل علـى محمـد صلـى الله عليـه وسـلم النبـي الأمـي العربـي بشـيراً ونذيـراً، وسـراجاً منيـراً، مشـتملاً علـى الحـق مـن الله تعالـى، مصدقـاً لمـا بيـن يديـه مـن التـوراة والإنجيـل.
قـال أبـو العاليـة: (( وآمنـوا بمـا أنزلـت مصدقـاً لمـا معكـم )) ، يقـول: يـا معشـر أهـل الكتـاب آمنـوا بمـا أنزلـت مصدقـاً لمـا معكـم، يقـول: لأنهـم يجـدون محمـداً صلـى الله عليـه وسـلم مكتوبـاً عتدهـم فـي التـوراة والإنجيـل.

وقولـه: (( ولا تكونـوا أول كافـر بـه )) .
قـال ابـن عبـاس: و لا تكونـوا أول كافـر بـه وعندكـم فيـه مـن العلـم مـا ليـس عنـد غيركـم.
قـال أبـو العاليـة: ولا تكونـوا أول مـن كفـر بمحمـد صلـى الله عليـه وسـلم بعـد سـماعكم بمبعثـه.
واختـار ابـن جريـر أن الضميـر فـي قولـه ( بـه ) عائـد علـى القـرآن الـذي تقـدم ذكـره فـي قولـه: (( بمـا أنزلـت )).
وكـلا القوليـن صحيـح لأنهمـا متلازمـان، لأن مـن كفـر بالقـرآن فقـد كفـر بمحمـد صلـى الله عليـه وسـلم، ومـن كفـر بمحمـد صلـى الله عليـه وسـلم فقـد كفـر بالقـرآن.
وأمـا قولـه: (( أول كافـر بـه )) فيعنـي بـه أول مـن كفـر بـه مـن بنـي إسـرائيل، لأنـه قـد تقدمهـم مـن كفـار قريـش وغيرهـم مـن العـرب بشـر كثيـر، وإنمـا المـراد أول مـن كفـر بـه مـن بنـي إسـرائيل مباشـرة، فـإن يهـود المدينـة أول بنـي إسـرائيل خوطبـوا بالقـرآن، فكفرهـم بـه يسـتلزم أنهـم أول مـن كفـر بـه مـن جنسـهم.

وقولـه تعالـى: (( ولا تشـتروا بآياتـي ثمنـاً قليـلاً )) يقـول: لا تعتاضـوا عـن الإيمـان بآياتـي وتصديـق رسـولي بالدنيـا وشـهواتها فإنهـا قليلـة فانيـة.
سـئل الحسـن البصـري عـن قولـه تعالـى: (( ثمنـاً قليـلاً )) قـال: الثمـن القليـل الدنيـا بحذافيرهـا.
وعـن سـعيد بـن جبيـر: إن آياتـه: كتابـه الـذي أنزلـه إليهـم، وإن الثمـن القليـل: الدنيـا وشـهواتها.
وقيـل: معنـاه لا تعتاضـوا عـن البيـان والإيضـاح ونشـر العلـم النافـع فـي النـاس بالكتمـان واللبـس، لتسـتمروا علـى رياسـتكم فـي الدنيـا القليلـة الحقيـرة الزائلـة عـن قريـب.
وفـي سـنن أبـي داود عـن أبـي هريـرة رضـي الله عنـه قـال: قـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم: {{ مـن تعلـم علمـاً ممـا يبتغـى بـه وجـه الله لا يتعلمـه إلا ليصيـب بـه عرضـاً مـن الحيـاة الدنيـا لـم يـرح رائحـة الجنـة يـوم القيامـة }} .
فأمـا تعليـم العلـم بأجـرة فإأن كـان قـد تعيـن عليـه فـلا يجـوز أن يأخـذ عليـه أجـرة، ويجـوز أن يتنـاول مـن بيـت المـال مـا يقـوم بـه حالـه وعيالـه، فـإن لـم يحصـل لـه منـه شـيء وقطعـه التعليـم عـن التكسـب فهـو كمـا لـم يتعيـن عليـه. وإذا لـم يتعيـن عليـه فإنـه يجـوز أن يأخـذ عليـه أجـرة عنـد ( مالـك والشـافعي وأحمـد ) وجمهـور العلمـاء كمـا فـي قصـة اللديـغ: { إن أحـق مـا أخذتـم عليـه أجـراً كتـاب الله } ، وقولـه فـي قصـة المخطوبـة: { زوجتكهـا بمـا معـك مـن القـرآن }.

وقولـه: (( وإيّـاي فاتقـون )).
عـن طلـق بـن حبيـب قـال: التقـوى أن تعمـل بطاعـة الله ، رجـاء رحمـة الله ، علـى نـور مـن الله ، وأن تتـرك معصيـة الله ، علـى نـور مـن الله ، تخـاف عقـاب الله ، ومعنـى قولـه: (( وإيّـاي فاتقـون )) أنـه تعالـى يتوعدهـم فيمـا يعتمدونـه مـن كتمـان الحـق وإظهـار خلافـه ومخالفتهـم الرسـول صلـوات الله وسـلامه عليـه.

(( ولا تلبسـوا الحـقَّ بالباطـلِ وتكتمـوا الحـقَ وأنتـم تعلمـون  وأقيمـوا الصـلاة وآتـوا الزكـاةَ واركعـوا مـع الراكعيـنَ )) / 43 /

يقـول تعالـى ناهيـاً لليهـود عمـا كانـوا يعتمدونـه مـن تلبيـس الحـق بالباطـل وتمويـهه بـه، وكتمانهـم الحـق وإظهارهـم الباطـل ((ولا تلبسـوا الحـق بالباطـلو تكتمـوا الحـقو أنتـم تعلمـون )) فنهاهـم عـن الشـيئين معـاً، وأمرهـم بإظهـار الحـق والتصريـح بـه.
ولهـذا قـال ابـن عبـاس (( ولا تلبسـوا الحـق بالباطـل )) : لا تخلطـوا الحـق بالباطـل والصـدق بالكـذب.
وقـال أبـو العاليـة: ولا تخلطـوا الحـق بالباطـل، وأدوا النصيحـة لعبـاد الله مـن أمـة محمـد صلـى الله عليـه وسـلم.
وقـال قتـادة: (( ولا تلبسـوا الحـق بالباطـل )) : ولا تلبسـواليهوديـة والنصرانيـة بالإسـلام وأنتـم تعلمـون أن ديـن الله الإسـلام، وأن اليهوديـة والنصرانيـة بدعـة ليسـت مـن الله.
وقـال ابـن عبـاس: (( وتكتمـوا الحـق وأنتـم تعلمـون )) أي لا تكتمـوا مـا عندكـم مـن المعرفـة برسـولي وبمـا جـاء بـه وأنتـم تجدونـه مكتوبـاً عندكـم فيمـا تعلمـون مـن الكتـب التـي بأيديكـم.
وقـال مجاهـد والسـدي: (( وتكتمـوا الحـق )) يعنـي محمـداً صلـى الله عليـه وسـلم.
( قلـت ) : ( وتكتمـوا ) يحتمـل أن يكـون مجزومـاً ويحتمـل أن يكـون منصوبـاً، أي لا تجمعـوا بيـن هـذا وهـذا، كمـا يقـال: لا تأكـل السـمك وتشـرب اللبـن.
قـال الزمخشـري: وفـي مصحـف ابـن مسـعود (( وتكتمـوا الحـق )) أي فـي حـال كتمانكـم الحـق، (( وأنتـم تعلمـون )) حـال أيضـاً، ومعنـاه وأنتـم تعلمـون الحـق ويجـوز أن يكـون المعنـى وأنتـم تعلمـون مـا فـي ذلـك مـن الضـرر العظيـم علـى النـاس، مـن إضلالهـم عـن الهـدى المفضـي بهـم إلـى النـار، إن سـلكوا مـا تبدونـه لهـم مـن الباطـل المشـوب بنـوع مـن الحـق لتروجّـوه عليهـم. والبيـانُ : الإيضـاح، وعكسـه الكتمـان وخلـط الحـق بالباطـل.
(( وأقيمـوا الصـلاة وآتـوا الزكـاة واركعـوا مـع الراكعيـن )) .
قـال مقاتـل: أمرهـم أن يصلـوا مـع النبـي صلـى الله عليـه وسـلم.
(( وآتـوا الزكـاة )) أمرهـم أن يؤتـوا الزكـاة أي يدفعونهـا إلـى النبـي صلـى الله عليـه وسـلم.
(( واركعـوا مـع الراكعيـن )) أمرهـم أن يركعـوا مـع الراكعيـن مـن أمـة محمـد صلـى الله عليـه وسـلم. يقـول: كونـوا معهـم ومنهـم.

(( أتأمـرون النـاس بالبـر وتنسـون أنفسـكم وأنتـم تتلـون الكتـاب أفـلا تعقلـون )) / 44 /

معنـاه: كيـف يليـق بكـم يـا معشـر أهـل الكتـاب وأنتـم تأمـرون النـاس بالبـر _ وهـو جمـاع الخيـر _ أن تنسـوا أنفسـكم فـلا تأتمـرون بمـا تأمـرون النـاس بـه، وأنتـم مـع ذلـك تتلـون الكتـاب وتعملـون مـا فيـه علـى مـن قصَّـر فـي أوامـر الله ؟ (( أفـلا تعقلـون )) مـا أنتـم صانعـون بأنفسـكم، فتنتبهـوا مـن رقدتكـم، وتتبصـروا مـن عمايتكـم ؟
وهـذا كمـا قـال قتـادة فـي قولـه تعالـى: (( أتأمـرون النـاس بالبـر وتنسـون أنفسـكم )) .
قـال: كـان بنـوا إسـرائيل يأمـرون النـاس بطاعـة الله، وبتقـواه ويخالفـون، فعيّـرهم الله عـز وجـل.
وقـال ابـن عبـاس: (( وتنسـون أنفسـكم )) أي تتركـون أنفسـكم (( وأنتـم تتلـون الكتـاب أفـلا تعقلـون )) أي تنهـون النـاس عـن الكفـر بمـا عندكـم مـن النبـوة والعهـد مـن التـوراة وتتركـون أنفسـكم، أي وأنتـم تكفـرون بمـا فيهـا مـن عهـدي إليكـم فـي تصديـق رسـولي، وتنقضـون ميثاقـي وتجحـدون مـا تعلمـون مـن كتابـي.
وقـال الضحـاك عـن ابـن عبـاس فـي هـذه الآيـة: يقـول أتأمـرون النـاس بالدخـول فـي ديـن محمـد صلـى الله عليـه وسـلم وغيـر ذلـك ممـا أمرتـم بـه مـن إقـام الصـلاة وتنسـون أنفسـكم.
قـال أبـو الـدرداء رضـي الله عنـه: لا يفقـه حتـى يمقـت النـاس فـي ذات الله ثـم يرجـع إلـى نفسـه فيكـون لهـا أشَّـد مقتـاً.
وقـال عبـد الرحمـن بـن أسـلم فـي هـذه الآيـة: هـؤلاء اليهـود إذا جـاء الرجـل سـألهم عـن الشـيء ليـس فيـه حـق ولا رشـوة أمـروه بالحـق، فقـال الله تعالـى: (( أتأمـرون النـاس بالبـر وتنسـون تتلـون الكتـاب أفـلا تعقلـون )) ؟ والغـرض أن الله تعالـى ذمّهـم علـى هـذا الصنيـع، ونبَّهـم علـى خطئهـم فـي حـق أنفسـهم حيـث كانـوا يأمـرون بالخيـر ولا يفعلونـه، وليـس المـراد ذمهـم علـى أمرهـم بالبـر مـع تركهـم لـه، بـل علـى تركهـم لـه، فـإن الأمـر بالمعـروف معـروف وهـو واجـب علـى العالـم، ولكـن الواجـب والأولـى بالعالـم أن يفعلـه مـع مـن أمرهـم بـه، ولا يتخلـف عنهـم كمـا قـال شـعيب عليـه السـلام: (( ومـا أريـد أن أخالفكـم إلـى مـا أنهاكـم عنـه . إن أريـد إلا الإصـلاح مـا اسـتطعت )).
فكـلٌّ مـن الأمـر بالمعـروف وفعلـه واجـب، لا يسـقط أحدكـم بتـرك الآخـر، علـى أصـح قولـي العلمـاء مـن السـلف والخلـف.
وذهـب بعضهـم إلـى أن مرتكـب المعاصـي لا ينهـى غيـره عنهـا، وهـذا ضعيـف.
والصحيـح أن العالـم يأمـر بالمعـروف وإن لـم يفعلـه، وينهـى عـن المنكـر وإن ارتكبـه.
قـال سـعيد ابـن جبيـر: لـو كـان المـرء لا يأمـر بالمعـروف ولا ينهـى عـن المنكـر حتـى لا يكـون فيـه شـيء مـا أمـر أحـد بمعـروف ولا نهـى عـن منكـر.
( قلـت ) : لكنـه والحالـة هـذه مذمـوم علـى تـرك الطاعـة وفعلـه المعصيـة، لعلمـه بهـا ومخالفتـه علـى بصيـرة، فإنـه ليـس مـن يعلـم كمـن لا يعلـم، ولهـذا جـاءت الأحاديـث فـي الوعيـد علـى ذلـك كمـا قـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم: {{ مثـل العالـم الـذي يُعلِّـمُ النـاس الخيـر ولا يعمـل بـه كمثـل السـراج يضـيء للنـاس ويحـرق نفسـه }} .
وقـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم: {{ مـررت ليلـة أسـرى بـي علـى قـوم تُقْـرض شـفاههم بمقاريـض مـن نـار، قلـت: مـن هـؤلاء ؟ قالـوا: خطبـاء أمتـك مـن أهـل الدنيـا، ممـن كانـوا يأمـرون النـاس بالبـر وينسـون أنفسـهم وهـم يتلـون الكتـاب أفـلا يعقلـون }} .
وقـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم: {{ يُجـاء بالرجـل يـوم القيامـة فيلقـى بـه فـي النـار فتندلـق بـه أقتابـه فيـدور بهـا فـي النـار كمـا يـدور الحمـار برحـاه فيطيـف بـه أهـل النـار فيقولـون يـا فـلان مـا أصابـك ؟ ألـم تكـن تأمـرنا بالمعـروف وتنهانـا عـن المنكـر؟ فيقـول: كنـت آمركـم بالمعـروف ولا آتيـه، وأنهاكـم عـن المنكـر ولا آتيـه }} .
وقـد ورد فـي بعـض الآثـار أنـه يغفـر للجاهـل سـبعين مـرة، حتـى يغفـر للعالـم مـرة واحـدة، ليـس مـن يعلـم كمـن لا يعلـم.
وقـال تعالـى: (( قـل هـل يسـتوي الذيـن يعملـون والذيـن لا يعلمـون إنمـا يتذكـر أولـوا الألبـاب )).
وروي عـن النبـي صلـى الله عليـه وسـلم أنـه قـال: {{ إن أناسـاً مـن أهـل الجنـة يطّلعـون علـى أنـاس مـن أهـل النـار، فيقولـون بـم دخلتـم النـار ؟ فـوالله مـا دخلنـا الجنـة إلا بمـا تعلمنـا منكـم، فيقولـون: إنّـا كنـا نقـول ولا نفعـل }} .
وجـاء رجـل إلـى ابـن عبـاس فقـال يـا ابـن عبـاس: إنـي أريـد أن آمـر بالمعـروف وأنهـى عـن المنكـر، قـال: أبلغْـتَ ذلـك ؟ قـال: أرجـو، قـال: إن لـم تخشـى أن تفتضـح بثـلاث آيـات مـن كتـاب الله فافعـل، قـال: ومـا هـن ؟ قـال: قولـه تعالـى: (( أتأمـرون النـاس بالبـر وتنسـون أنفسـكم )) أحكمـت هـذه ؟ قـال: لا، قـال: فالحـرف الثانـي، قـال: قولـه تعالـى: (( لـم تقولـون مـا لا تفعلـون كبـر مقتـاً عنـد الله أن تقولـوا مـا لا تعلمـون )) أحكمـت هـذه ؟ قـال: لا، قـال: فالحـرف الثالـث، قـال: قـول العبـد الصالـح شـعيب عليـه السـلام: (( ومـا أريـد أن أخالفكـم إلـى مـا لأنهاكـم عنـه إن أريـد إلا الإصـلاح )) أحكمـت هـذه الآيـة ؟ قـال: لا، قـال: فابـدأ بنفسـك.
وقـال إبراهيـم النخعـي: إنـي لأكـره القصـص لثـلاث، قولـه تعالـى: (( أتأمـرون النـاس بالبـر وتنسـون أنفسـكم )) ، وقولـه: (( يـا أيهـا الذيـن آمنـوا لا تقولـوا مـا لا تفعلـون )) ، وقولـه إخبـاراً عـن شـعيب: (( ومـا أريـد أن أخالفكـم إلـى مـا أنهاكـم عنـه )).

مختصـر ابـن كثيـر / الصفحـة 56 ، 57 ، 58 ، 59 ، 60 /

يتبـع إن شـاء الله ...
*********************************
نــــور
نــــور
ما شاء الله

همة تناطح السحاب

بارك الله بك
الوردة القرمزية
صديقـي وأختـي فـي الله نـور...

أشـكرك حقـاً علـى كلماتـك التـي هـي أكبـر مـن مجهـودي المتواضـع ...
لـو تدريـن كـم يسـاعدني تشـجيعك، وأخواتنـا، لـي ...
وإن شـاء الله لـن أتوقـف حتـى النهايـة ...
******************************

بسـم الله الرحمـن الرحيـم


(( واسـتعينوا بالصبـرِ والصـلاةِ وإنهـا لكبيـرةٌ إلا علـى الخاشـعينَ  الذيـنَ يظنـونَ أنهـم ملاقـوا ربهِـم وأنهُـم إليـهِ راجعـونَ )) / 46 /

يأمـر تعالـى عبيـده فيمـا يأملـون مـن خيـر الدنيـا والآخـرة بالاسـتعانة بالصبـر والصـلاة كمـا قـال مقاتـل فـي تفسـيره هـذه الآيـة: اسـتعينوا علـى طلـب الآخـرة بالصبـر علـى الفرائـض والصـلاة. فأمـا الصبـر فقيـل: إنـه الصيـام.
قـال القرطبـي: ولهـذا يسـمى رمضـان شـهر الصبـر كمـا نطـق بـه الحديـث: { الصـوم نصـف الصبـر } .
وقيـل: المـراد بالصبـر الكـف عـن المعاصـي ولهـذا قرنـه بـأداء العبـادات، وأعـلاه فعـل الصـلاة.
قـال عـمـر بـن الخطّـاب: الصبـر صبـران: صبـر عنـد المصيبـة حسـن، وأحسـن منـه الصبـر عـن محـارم الله .
وقـال أبـو العاليـة: (( واسـتعينوا بالصبـر والصـلاة )) علـى مرضـاة الله، واعلمـوا أنهـا مـن طاعـة الله .
وأمـا قولـه (( والصـلاة )) فـإن الصـلاة مـن أكبـر العـون علـى الثبـات فـي الأمـر كمـا قـال تعالـى: (( وأقـم الصـلاة إن الصـلاة تنهـى عـن الفحشـاء والمنكـر )) الآيـة.
وكـان رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم إذا حزبـه أمـر فـزع إلـى الصـلاة.
وعـن علـي رضـي الله عنـه قـال: لقـد رأيتنـا ليلـة بـدر ومـا فينـا إلا نائـم غيـر رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم يصلـي ويدعـو حتـى أصبـح.
وروي أن ابـن عبـاس نعـي إليـه أخـوه قثـم وهـو فـي سـفر، فاسـترجع ثـم تنحَّـى عـن الطريـق، فأنـاخ فصلّـى ركعتيـن أطـال فيهمـا الجلـوس، ثـم قـام يمشـي إلـى راحلتـه وهـو يقـول: (( واسـتعينوا بالصبـر والصـلاة وإنهـا لكبيـرة إلا علـى الخاشـعين )) .
والضميـر فـي قولـه: (( وإنهـا لكبيـرة )) عائـد إلـى الصـلاة، ويحتمـل أن يكـون عائـداً علـى مـا يـدل عليـه الكـلام وهـو الوصيـة بذلـك، كقولـه تعالـى فـي قصـة قـارون: (( ولا يلقاهـا إلا الصابـرون )).
وقـال تعالـى: (( ومـا يلقاهـا إلا الذيـن صبـروا ومـا يلقاهـا إلا ذو حـظ عظيـم )) أي ومـا يلقّـى هـذه الوصيـة إلا الذيـن صبـروا، ومـا يلقاهـا أي يؤتاهـا ويلهمهـا إلا ذو حـظ عظيـم.
وعلـى كـل تقديـر: فقولـه تعالـى: (( وإنهـا لكبيـرة )) أي مشـقة ثقيلـة إلا علـى الخاشـعين.
قـال ابـن عبـاس: يعنـي المصدقيـن بمـا أنـزل الله .
وقـال مجاهـد: المؤمنيـن حقـاً .
وقـال أبـو العاليـة: الخائفيـن .
وقـال مقاتـل: المتواضعيـن .
وقـال الضحّـاك (( وأنهـا لكبيـرة )) قـال: إنهـا لثقيلـة إلا علـى الخاضعيـن لطاعتـه، الخائفيـن سـطوته، المصدقيـن بوعـده ووعيـده.
وقـال ابـن جريـر معنـى الآيـة: واسـتعينوا أيهـا الأحبـار مـن أهـل الكتـاب بحبـس أنفسـكم علـى طاعـة الله وبإقامـة الصـلاة المانعـة مـن الفحشـاء والمنكـر، المقربـة مـن رضـا الله ، العظيمـة إقامتهـا (( إلا علـى الخاشـعين )) أي المتواضعيـن المسـتكينين لطاعتـه المتذلليـن مـن مخافتـه. هكـذا قـال.
والظاهـر أن الآيـة وإن كانـت خطابـاً فـي سـياق إنـذار بنـي إسـرائيل فإنهـم لـم يقصـدوا بهـا علـى سـبيل التخصيـص، وإنمـا هـي عامـة لهـم ولغيرهـم، والله أعلـم.

وقولـه تعالـى: (( الذيـن يظنـون أنهـم ملاقـوا ربهـم وأنهـم إليـه راجعـون ))
هـذا مـن تمـام الكـلام الـذي قبلـه، أي أن الصـلاة لثقيلـة إلا علـى الخاشـعين الذيـن يظنـون أنهـم ملاقـوا ربهـم، أي يعلمـون أنهـم محشـورون إليـه يـوم القيامـة، معروضـون عليـه وأنهـم إليـه راجعـون أي أمورهـم راجعـة إلـى مشـيئته، يحكـم فيهـا بمـا يشـاء بعدلـه، فلهـذا لمـا أيقنـوا بالمعـاد والجـزاء، سـهل عليهـم فعـل الطاعـات وتـرك المنكـرات.
فأمـا قولـه (( يظنـون أنهـم ملاقـوا ربهـم )) فالمـراد يعتقـدون، والعـرب قـد تسـمي اليقيـن ظنـاً والشـك ظنـاً، نظيـر تسـميتهم الظلمـة سـدفة، والضيـاء سـدفة. ومنـه قـول الله تعالـى: (( ورأى المجرمـون النـار فظنـوا أنهـم مواقعوهـا )).
قـال مجاهـد: كـلُّ ظـنٍ فـي القـرآن يقيـن .
وعـن أبـي العاليـة فـي قولـه تعالـى: (( والذيـن يظنـون أنهـم ملاقـوا ربهـم )) قـال: الظـن ههنـا يقيـن.
وعـن ابـن جريـج: علمـوا أنهـم ملاقـوا ربهـم كقولـه: (( إنـي ظننـت أنـي مـلاقٍ حسـابيه )) يقـول علمـت.
( قلـت ) وفـي الصحيـح: إن الله تعالـى يقـول للعبـد يـوم القيامـة: {{{ ألـم أزوجـك ألـم أكرمـك ألـم أسـخر لـك الخيـل والإبـل وأذرك تـرأس وتربـع ؟ }}} فيقـول: بلـى، فيقـول الله تعالـى: {{{ أظننـت أنـك ملاقِّـي ؟ }}} ، فيقـول: لا، فيقـول الله: {{{ اليـوم أنسـاك كمـا نسـيتني }}} .
وسـيأتي مبسـوطاً عنـد قولـه تعالـى: (( نسـوا الله فنسـيهم )) ، إن شـاء الله تعالـى.


(( يـا بنـي إسـرائيلَ اذكـروا نعمتـيَ التـي أنعمـتُ عليكُـم وأنّـي فضلتكـم علـى العالميـنَ )) / 47 /

يذكرهـم الله تعالـى بسـالف نعمـه علـى آبائهـم وأسـلافهم، ومـا كـان فضلهـم بـه مـن
إرسـال الرسـل منهـم وأنـزل الكتـاب عليهـم وعلـى سـائر الأمـم مـن أهـل زمانهـم كمـا قـال تعالـى: (( ولقـد اخترناهـم علـى علـم علـى العالميـن )) ، وقـال تعالـى: (( وآتاكـم مـا لـم يـؤت أحـداً مـن العالميـن )).
قـال أبـو العاليـة فـي قولـه تعالـى (( وأنـي فضلتكـم علـى العالميـن )) علـى علـم مـن كـان فـي ذلـك الزمـان فـإن لكـل زمـان عالمـاً، ويجـب الحمـل علـى هـذا، لأن هـذه الأمـة أفضـل منهـم لقولـه تعالـى: (( كنتـم خيـر أمـة أخرجـت للنـاس )).
وقـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم: {{ أنتـم توفـون سـبعين أمّـة أنتـم خيرهـا وأكرمهـا عنـد الله }} . والأحاديـث فـي هـذا كثيـرة.
وقيـل: المـراد تفضيـلٌ بنـوع مـا مـن الفضـل علـى سـائر النـاس، ولا يلـزم تفضيلهـم مطلقـاً، حكـاه الـرازي وفيـه نظـر.
وقيـل: فضلـوا علـى سـائر الأمـم لاشـتمال أمتهـم علـى الأنبيـاء منهـم، وفيـه نظـر، لأن العالميـن عـام يشـمل مـن قبلهـم، ومـن بعدهـم مـن الأنبيـاء، فإبراهيـم الخليـل قبلهـم وهـو أفضـل سـائر أنبيائهـم، ومحمـد بعدهـم وهـو أفضـل مـن جميـع الخلـق، وسـيد ولـد آدم فـي الدنيـا والآخـرة صلـوات الله وسـلامه عليـه.


(( واتقـوا يومـاً لا تجـزي نفـس عـن نفـسٍ شـيئاً ولا يقبـلُ منهـا شـفاعةٌ ولا يؤخـذ منهـا عـدلٌ ولا هـم ينصـرونَ )) / 48 /

لمـا ذكرهـم تعالـى بنعمـه أولاً، عطـف علـى ذلـك التحذيـر مـن طـول نقمـه بهـم يـوم القيامـة فقـال: (( واتقـوا يومـاً )) يعنـي يـوم القيامـة (( لا تجـزى نفـس عـن نفـس شـيئاً )) أي لا يغنـي أحـد عـن أحـد، كمـا قـال: (( ولا تـزر وازرةٌ وزر أخـرى )) ، وقـال: (( لكـل امـرئ يومئـذٍ شـأنٌ يغنيـه )) ، وقـال: واخشـوا يومـاً لا يجـزي والـدٌ عـن ولـده ولا مولـود هـو جـازٍ عـن والـده شـيئاً )) فهـذا أبلـغ المقامـات أن كـلاً مـن الوالـد وولـده لا يغنـي أحدهمـا عـن الآخـر شـيئاً.

وقولـه تعالـى: (( ولا يقبـل منهـا شـفاعة )) يعنـي مـن الكافريـن كمـا قـال: (( فمـا تنفعهـم شـفاعة الشـافعين )) ، وكمـا قـال عـن أهـل النـار: (( فمـا لنـا مـن شـافعين ولا صديـق حميـم )).

وقولـه تعالـى: (( ولا يؤخـذ منهـا عـدلٌ )) أي لا يقبـل منهـا فـداء، كمـا قـال تعالـى: (( فلـن يقبـل مـن أحدهـم مـلء الأرض ذهبـاً ولـو افتـدى بـه )) ، وقـال: (( إن الذيـن كفـروا لـو أن لهـم مـا فـي الأرض جميعـاً ومثلـه معـه ليفتـدوا بـه مـن عـذاب يـوم القيامـة مـا تُقبّـل منهـم )) ، وقـال تعالـى: (( وإن تعـدل كـل عـدل لا يؤخـذ منهـا )) ، وقـال: (( فاليـوم لا يؤخـذ منكـم فديـة ولا مـن الذيـن كفـروا )) الآيـة.
فأخبـر تعالـى أنهـم إن لـم يؤمنـوا برسـوله ويتابعـوه علـى مـا بعثـه بـه ووافـوا الله يـوم القيامـة علـى مـا هـم عليـه فإنـه لا ينفعهـم قرابـة قريـب، ولا شـفاعة ذي جـاه، ولا يقبـل منهـم فـداء ولـو بمـلء الأرض ذهبـاً، كمـا قـال تعالى: (( لا بيـع فيـه ولا خـلال )).
قـال ابـن عبـاس (( لا يؤخـذ منهـا عـدلٌ )) قـال: بـدلٌ، والبـدل الفديـة.

وقولـه تعالـى: (( ولا هـم ينصـرون )) أي ولا أحـد يغضـب لهـم فينصرهـم وينقذهـم مـن عـذاب الله ، كمـا تقـدم مـن أنـه لا يعطـف عليهـم ذو قرابـة ولا ذو جـاه، ولا يقبـل منهـم فـداء، هـذا كلـه مـن جانـب التلطـف، ولا لهـم ناصـر مـن أنفسـهم ولا مـن غيرهـم كمـا قـال: (( فمـا لـه مـن قـوةٍ ولا ناصـر )) أي أنـه تعالـى لا يقبـل فيمـن كفـر بـه فديـة ولا شـفاعة ولا ينقـذ أحـداً مـن عذابـه منقـذ، ولا يخلـص منـه أحـد كمـا قـال تعالـى: (( فيومئـذ لا يعـذب عذابـه أحـد ولا يوثـق وثاقـه أحـد )) ، وقـال: (( مـا لكـم لا تناصـرون بـل هـم اليـوم مسـتسـلمون )) ، وقـال: (( فلـولا نصرهـم الذيـن اتخـذوا مـن دون الله قربانـاً آلهـة بـل ضلـوا عنهـم )) الآيـة.
وقـال الضّحـاك عـن ابـن عبـاس فـي قولـه تعالـى: (( مـا لكـم لا تناصـرون )) مـا لكـم اليـوم لا تمانعـون منـا، هيهـات ليـس ذلـك لكـم اليـوم.
قـال ابـن جريـر: وتأويلـه قولـه: (( ولا هـم ينصـرون )) يعنـي أنهـم يومئـذ لا ينصرهـم ناصـر، كمـا لا يشـفع لهـم شـافع، ولا يقبـل منهـم عـدل ولا فديـة. بطلـت هنالـك المحابـاة واضمحلـت الرشـا والشـفاعات، وارتفـع مـن القـوم التناصـر والتعـاون، وصـار الحكـم إلـى الجبـار العـدل، الـذي لا ينفـع لديـه الشـفعاء والنصـراء فيجـزي بالسـيئة مثلهـا وبالحسـنة أضعافهـا. وذلـك نظيـر قولـه تعالـى: (( وقفوهـم إنهـم مسـئولون . مـا لكـم لا تناصـرون بـل هـم اليـوم مسـتسـلمون )).


(( وإذ نجّيناكُـم مـن آلِ فِرعـونَ يسـومونكـم سـوءَ العـذابِ يذبِّحـونَ أبناءكُـم ويسـتحيونَ نسـاءكُم وفـي ذلكُـم بـلاءٌ مـن ربِّكُـم عظيـمٌ  وإذ فرقنـا بِكُـمُ البحـرَ فأنجيناكُـم وأغرقنـا آلَ فِرعـونَ وأنتُـم تنظـرونَ )) / 50 /

يقـول تعالـى اذكـروا يـا بنـي إسـرائيل نعمتـي عليكـم، إذ نجيناكـم مـن آل فرعـون يسـومونكم سـوء العـذاب، أي خلصتكـم منهـم وأنقذتكـم مـن أيديهـم صحبـة موسـى عليـه السـلام، وقـد كانـوا يسـومونكم أي يوردونكـم ويذيقونكـم ويولونكـم سـوء العـذاب.
وذلـك أن فرعـون لعنـه الله قـد رأى رؤيـا هالتـه، رأى نـاراً خرجـت مـن بيـت المقـدس فدخلـت بيـوت القبـط إلا بيـوت بنـي إسـرائيل، فمضمونهـا زوال ملكـه يكـون علـى يـدي رجـل مـن بنـي إسـرائيل، فعنـد ذلـك أمـر فرعـون لعنـه الله بقتـل كـل ذكـر يولـد بعـد ذلـك مـن بنـي إسـرائيل، وأن تتـرك البنـات، وأمـر باسـتعمال بنـي إسـرائيل فـي مشـاق الأعمـال وأرذلهـا، وههنـا فسـر العـذاب بذبـح الأبنـاء.
وفـي سـورة إبراهيـم عطـف عليـه كمـا قـال: (( يسـومونكم سـوء العـذاب ويذبحـون أبناءكـم ويسـتحيون نسـاءكم )) ، وسـيأتي تفسـير ذلـك فـي سـورة القصـص، إن شـاء الله تعالـى وبـه الثقـة والمعونـة والتأييـد.
ومعنـى ( يسـومونكم ) يولونكـم كمـا يقـال: سـامه خطـة إذا أولاه إياهـا.
وقيـل معنـاه: يديمـون عذابكـم، وإنمـا قـال ههنـا: (( يذبحـون أبناءكـم ويسـتحيون نسـاءكم )) ليكـون ذلـك تفسـيراً للنعمـة عليهـم فـي قولـه: (( يسـومونكم سـوء العـذاب )) ، ثـم فسـره بهـذا لقولـه ههنـا (( واذكـروا نعمتـي التـي أنعمـت عليكـم )).
وأمـا فـي سـورة إبراهيـم فلمـا قـال: (( وذكرهـم بأيـام الله )) أي بأياديـه ونعمـه عليهـم فناسـب أن يقـول هنـاك: (( يسـومونكم سـوء العـذاب ويذبحـون أبناءكـم )) ، فعطـف عليـه الذبـح ليـدل علـى تعـدد النعـم والأيـادي علـى بنـي إسـرائيل.
( وفرعـون ) عَلَـمٌ علـى كـل ملـك مـن مصـر كافـراً مـن العماليـق وغيرهـم، كمـا أن ( قيصـر ) عَلَـمٌ علـى كـل مـن ملـك الـروم مـع الشـام كافـراً، و ( كسـرى ) لمـن ملـك الفـرس.
ويقـال: كـان اسـم فرعـون الـذي كـان فـي زمـن موسـى عليـه السـلام ( الوليـد ابـن مصعـب بـن الريـان ) فكـان مـن سـلالة عمليـق، وكنيتـه أبـو مـرة، وأصلـه فارسـي مـن اصطخـر. وأيـاً مـا كـان فعليـه لعنـة الله .

وقولـه تعالـى: (( وفـي ذلكـم بـلاء ))
قـال جريـر: وفـي الـذي فعلنـا بكـم مـن إنجائنـا آبائكـم ممـا كنتـم فيـه مـن عـذاب آل فرعـون، بـلاءٌ لكـم مـن ربكـم عظيـم، أي نعمـةٌ عظيمـةٌ عليكـم فـي ذلـك، وأصـل البـلاء الاختبـار، وقـد يكـون بالخيـر والشـر كمـا قـال تعالـى: (( ونبلوكـم بالشـر والخيـر فتنـة )) ، وقـال: (( وبلوناهـم بالحسـنات والسـيئات )).
وقيـل المـراد بقولـه: (( وفـي ذلكـم بـلاء )) إشـارة إلـى مـا كانـوا فيـه مـن العـذاب المهيـن مـن ذبـح الأبنـاء واسـتحياء النسـاء.
قـال القرطبـي: وهـذا قـول الجمهـور والبـلاء ههنـا فـي الشـر، والمعنـى: وفـي الذبـح مكـروه وامتحـان.

وقولـه تعالـى: (( وإذ فرقنـا بكـم البحـر فأنجيناكـم وأغرقنـا آل فرعـون وأنتـم تنظـرون ))
معنـاه: وبعـد أن أنقذناكـم مـن آل فرعـون وخرجتـم مـع موسـى عليـه السـلام، خـرج فرعـون فـي طلبكـم ففرقنـا بكـم البحـر، (( فأنجيناكـم )) أي خلصناكـم منهـم وحجزنـا بينكـم وبينهـم وأغرقناهـم وأنتـم تنظـرون، ليكـون ذلـك أشـفى لصدوركـم وأبلـغ فـي إهانـة عدوكـم.
وقـد ورد أن هـذا اليـوم هـو يـوم عاشـوراء، لمـا روي عـن ابـن عبـاس قـال: قـدم رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم المدينـة فـرأى اليهـود يصومـون يـوم عاشـوراء، فقـال: {{ مـا هـذا اليـوم الـذي تصومونـه ؟ }} ، قالـوا: هـذا يـوم نجّـى الله عـز وجـل فيـه بنـي إسـرائيل مـن عدوكـم فصامـه موسـى عليـه السـلام، فقـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم: {{ أنـا أحـق بموسـى منكـم }} فصامـه رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم وأمـر بصومـه.


(( وإذ واعدنـا موسـى أربعيـنَ ليلـةً ثـمَّ اتخذتـمُ العجـلَ مـن بعـدِهِ وأنتـم ظالمـونَ  ثـمَّ عفونـا عنكُـم مـن بعـدِ ذلـك لعلّكـم تشـكرونَ  وإذ آتينـا موسـى الكتـابَ والفرقـانَ لعلّكـم تهتـدونَ )) / 53 /

يقـول تعالـى: (( واذكـروا نعمتـي عليكـم )) فـي عفـوي عنكـم، لمـا عبدتـم العجـل بعـد ذهـاب موسـى لميقـات ربـه عنـد انقضـاء أمـد المواعـدة، وكانـت أربعيـن يومـاً وهـي المذكـورة فـي الأعـراف فـي قولـه تعالـى: (( وواعدنـا موسـى ثلاثيـن ليلـة وأتممناهـا بعشـر )) ، وكـان ذلـك بعـد خلاصهـم مـن فرعـون وإنجائهـم مـن البحـر.

وقولـه تعالـى: (( وإذ آتينـا موسـى الكتـاب )) يعنـي التـوراة، (( والفرقـان )) وهـو يفـرق بيـن الحـق والباطـل والهـدى والضلالـة (( لعلكـم تهتـدون ))، وكـان ذلـك أيضـاً بعـد خروجهـم مـن البحـر كمـا دل عليـه سـياق الكـلام فـي سـورة الأعـراف، ولقولـه تعالـى: (( ولقـد آتينـا موسـى الكتـاب مـن بعـد مـا أهلكنـا القـرون الأولـى )).


(( وإذ قـالَ موسـى لقومِـهِ يـا قـومِ إنكـم ظلمتـم أنفسـكم باتخاذكـمُ العجـلَ فتوبـوا إلـى بارئِكُـم فاقتلـوا أنفسـكم ذلكـم خيـر لكـم عنـدَ بارئكـم فتـابَ عليكـم إنـهُ هـوَ التـوابُ الرحيـمُ )) / 54 /

هـذه صفـة توبتـه تعالـى علـى بنـي إسـرائيل عـن عبـادة العجـل، حيـن وقـع فـي قلوبهـم مـن شـأن عبادتهـم العجـل مـا وقـع (( فتوبـوا إلـى بارئكـم )) تنبيـه علـى عظـم جرمهـم، أي فتوبـوا إلـى الـذي خلقكـم وقـد عبدتـم معـه غيـره.
قـال ابـن جريـر بسـنده عـن ابـن عبـاس: أمـر موسـى قومـه عـن أمـر ربـه عـز وجـل أن يقتـلوا أنفسـهم قـال: وأخبـر الذيـن عبـدوا العجـل فجلسـوا، وقـام الذيـن لـم يعكفـوا علـى العجـل فأخـذوا الخناجـر بأيديهـم، وأصابتهـم ظلمـة شـديدة فجعـل يقتـل بعضهـم بعضـاً، فانجلـت الظلمـة عنهـم وقـد جلـوا عـن سـبعين ألـف قتيـل، كـلُّ مـن قتـل منهـم كانـت لـه توبـة، وكـل مـن بقـي كانـت لـه توبـة.
وقـال السـدي: فـي قولـه (( فاقتلـوا أنفسـكم )) قـال: فاجتلـد الذيـن عبـدوه والذيـن لـم يعبـدوه بالسـيوف، فكـان مـن قتـل مـن الفريقيـن شـهيداً حتـى كثـر القتـل حتـى كـادوا أن يهلكـوا، حتـى قتـل منهـم سـبعون ألفـاً وحتـى دعـا موسـى وهـارون، ربنـا أهلكـت بنـي إسـرائيل ربنـا البقيـة الباقيـة، فأمرهـم أن يلقـوا السـلاح وتـاب عليهـم، فكـان مـن قتـل منهـم مـن الفريقيـن شـهيداً، ومـن بقـي مكفـراً عنـه فذلـك قولـه: (( فتـاب عليكـم إنـه هـو التـواب الرحيـم )).
وقـال ابـن اسـحاق: لمـا رجـع موسـى إلـى قومـه وأحـرق العجـل وذراه فـي اليـم خـرج إلـى ربـه بمـن اختـار مـن قومـه فأخذتهـم الصاعقـة ثـم بعثـوا، فسـأل موسـى ربـه التوبـة لبنـي إسـرائيل مـن عبـادة العجـل فقـال: لا إلا أن يقتلـوا أنفسـهم، قـال: فبلغنـي أنهـم قالـوا لموسـى نصبـر لأمـر الله، فأمـر موسـى مـن لـم يكـن عَبَـدَ العجـل أن يقتـل مـن عبـده، فجعلـوا يقتلونهـم، فهـش موسـى، فبكـى إليـه النسـاء والصبيـان يطلبـون العفـو عنهـم فتـاب الله عليهـم وعفـا عنهـم، وأمـر موسـى أن ترفـع عنهـم السـيوف.
وقـال عبـد الرحمـن بـن زيـد: لمـا رجـع موسـى إلـى قومـه، وكانـوا سـبعين رجـلاً قـد اعتزلـوا مـع هـارون العجـل لـم يعبـدوه، فقـال لهـم موسـى: انطلقـوا إلـى موعـد ربكـم، فقالـوا: يـا موسـى مـا مـن توبـة ؟ قـال: بلـى (( اقتلـوا أنفسـكم ذلكـم خيـر لكـم عنـد بارئكـم فتـاب عليكـم )) الآيـة، فاخترطـوا السـيوف والخناجـر والسـكاكين، قـال: وبعـث عليهـم ضبابـة فجعلـوا يتلامسـون بالأيـدي ويقتـل بعضهـم بعضـاً، ويلقـى الرجـل أبـاه وأخـاه فيقتلـه وهـو لا يـدري. قـال: ويتنـادون فيهـا رحـم الله عبـداً صبـر نفسـه حتـى يبلـغ الله رضـاه، قـال: فقتلاهـم شـهداء وتيـب علـى أحيائهـم، ثـم قـرأ: (( فتـاب عليكـم إنـه هـو التـواب الرحيـم )) .

مختصـر ابـن كثيـر / الصفحـة 60 ، 61 ، 62 ، 63 ، 64 ، 65 /

يتبـع بـإذن الله تعالـى...
*************************
* حنــين *
* حنــين *
الورده القرمزيه ...

جزاك الله كل خير .. وجعل ماتكتبين في ميزان حسناتك ..


مجهود تشكرين عليه .. عسى الله لا يحرمك الأجر والثواب ..
الوردة القرمزية
صديقتـي... أختـي فـي الله...
المـلاك الصغيـر...
لا أعـرف مـاذا أقـول...
دعواتـك الصالحـة لـي تكفينـي لأتابـع مـا بـدأت بعزيمـة أكبـر...
أشـكرك مـن كـل قلبـي...

أختـي حنيـن...
الحمـد لله ...
يبـدو أننـي كسـبت صديقـة جديـدة...
أشـكرك علـى مـرورك ومتابعتـك...
*******************************

بسـم الله الرحمـن الرحيـم ...


(( وإذ قلتـم يـا موسـى لـن نؤمِـنَ لـكَ حتّـى نَـرى الله جهـرةً فأخذتكـمُ الصاعقـةُ وأنتـم تنظـرونَ = ثـمَّ بعثناكـم مـن بعـدِ موتكـم لعلكـم تشـكرونَ )) / 56 /

يقـول تعالـى: واذكـروا نعمتـي عليكـم فـي بعثـي لكـم بعـد الصعـق، إذ سـألتم رؤيتـي عيانـاً ممـا لا يسـتطاع لكـم ولا لأمثالكـم.
قـال ابـن عبـاس: ( جهـرةً ) علانيـة .
وقـال الربيـع بـن أنـس: هـم السـبعون الذيـن اختارهـم موسـى فسـاروا معـه، قـال فاسـمعوا كلامـاً، فقـالوا: (( لـن نؤمـن لـك حتـى نـرى الله جهـرةً )) ، قـال: فسـمعوا صوتـاً فصعقـوا، يقـول ماتـوا.
قـال السـدي فـي قولـه (( فأخذتكـم الصاعقـة )) الصاعقـة: نـار، فماتـوا، فقـام موسـى يبكـي ويدعـو الله ويقـول: رب مـاذا أقـول لبنـي إسـرائيل إذا أتيتهـم وقـد أهلكـت خيارهـم (( لـو شـئت أهلكتهـم مـن قبـل وإيـاي أتهلكنـا بمـا فعـل السـفهاء منـا )) فأوحـى الله إلـى موسـى أن هـؤلاء السـبعين ممـن اتخـذوا العجـل، ثـم إن الله أحياهـم فقامـوا وعاشـوا ينظـر بعضهـم إلـى بعـض كيـف يحيـون ؟ قـال: فذلـك قولـه تعالـى: (( ثـم بعثناكـم مـن بعـد موتكـم لعلكـم تشـكرون )) .
وقـال الربيـع بـن أنـس: كـان موتهـم عقوبـة لهـم فبعثـوا مـن بعـد المـوت ليسـتوفوا آجالهـم.
وقـال ابـن جريـر: لمـا رجـع موسـى إلـى قومـه فـرأى مـا هـم عليـه مـن عبـادة العجـل، وقـال لأخيـه وللسـامري مـا قـال، وحـرق العجـل وذراه فـي اليـم، اختـار موسـى منهـم سـبعين رجـلاً، الخيـر فالخيـر، وقـال: انطلقـوا إلـى الله وتوبـوا إلـى الله ممـا صنعتـم، واسـألوا التوبـة علـى مـن تركتـم وراءكـم مـن قومكـم. صومـوا وتطهَّـروا وطهِّـروا ثيابكـم، فخـرج بهـم إلـى طـور سـيناء لميقـاتٍ وقّتـه لـه ربـه، وكـان لا يأتيـه إلا بـإذن منـه وعلـم، فقـال لـه السـبعون _ فيمـا ذكـر لـي _ حيـن صنعـوا مـا أمـروا بـه وخرجـوا للقـاء الله : يـا موسـى اطلـب لنـا إلـى ربـك نسـمع كـلام ربنـا. فقـال: أفعـل، فلمـا دنـى موسـى مـن الجبـل وقـع عليـه الغمـام حتـى تغشـى الجبـل كلـه، ودنـا موسـى فدخـل فيـه، وقـال للقـوم: ادنـوا . وكـان موسـى إذا كلمـه الله وقـع علـى جبهتـه نـور سـاطع لا يسـتطيع أحـد مـن بنـي آدم أن ينظـر إليـه، فضـرب دونـه بالحجـاب، ودنـا القـوم حتـى إذا دخلـوا فـي الغمـام وقعـوا سـجداً فسـمعوه وهـو يكلـم موسـى، يأمـره وينهـاه: افعـل ولا تفعـل، فلمـا فـرغ إليـه مـن أمـره انكشـف عـن موسـى الغمـام فأقبـل إليهـم، فقالـوا لموسـى: (( لـن نؤمـن لـك حتـى نـرى الله جهـرةً )) ، فأخذتهـم الرجفـة وهـي الصاعقـة، فماتـوا جميعـاً وقـام موسـى يناشـد ربـه ويدعـوه ويرغـب إليـه ويقـول: (( رب لـو شـئت أهلكتهـم مـن قبـل وإيـاي )) قـد سـفهوا، أفتهلـك مـن ورائـي مـن بنـي إسـرائيل بمـا فعـل السـفهاء منـا ؟ أي إن هـذا لهـم هـلاك، واختـرت منهـم سـبعين رجـلاً الخيـر فالخيـر أرجـع إليهـم وليـس معـي منهـم رجـلٌ واحـد، فمـا الـذي يصدقونـي بـه ويأمنونـي عليـه بعـد هـذا؟ (( إنـا هدنـا إليـك )) ، فلـم يـزل موسـى يناشـد ربـه عـزّ وجـلّ ويطلـب إليـه حتـى رد إليهـم أرواحهـم، وطلـب إليـه التوبـة لبنـي إسـرائيل مـن عبـادة العجـل، فقـال: لا إلا أن يقتلـوا أنفسـهم.
وقـال السـدي: لمـا تابـت بنـو إسـرائيل مـن عبـادة العجـل وتـاب الله عليهـم بقتـل بعضهـم لبعـض كمـا أمرهـم الله بـه، أمـر موسـى أن يأتيـه فـي أنـاس مـن بنـي إسـرائيل يعتـذون إليـه مـن عبـادة العجـل، ووعدهـم موسـى فاختـار موسـى سـبعين رجـلاً علـى عينـه، ثـم ذهـب بهـم ليعتـذروا وسـاق البقيـة.
والمـراد السـبعون المختـارون منهـم، ولـم يحـك كثيـر مـن المفسـرين سـواه، وقـد غلـط أهـل الكتـاب فـي دعواهـم أن هـؤلاء رأوا الله عـز وجـل، فـإن موسـى الكليـم عيـه السـلام قـد سـأل ذلـك فمنـع منـه، فكيـف ينالـه هـؤلاء السـبعون !؟


(( وظلّلنـا عليكـمُ الغمـامَ وأنزلنـا عليكـمُ المَـنَّ والسَّـلوى كلُـوا مِـن طيبـاتِ مـا رزقناكُـم ومـا ظلمونـا ولكِـن كانـوا أنفسَـهُم يظلِمـونَ )) / 57 /

لمـا ذكـر تعالـى مـا دفعـه عنهـم مـن النقـم، شـرع يذكرهـم أيضـاً بمـا أسـبغ عليهـم مـن النعـم فقـال: (( وظللنـا عليكـم الغمـام )) جمـع غمامـة، سـمي بذلـك لأنـه يغـم السـماء أي يواريهـا ويسـترها، وهـو السـحاب الأبيـض ظللـوا بـه فـي التيـه ليقيهـم حـر الشـمـس.
وقـال الحسـن وقتـادة (( وظللنـا عليكـم الغمـام )) : كـان هـذا فـي البريّـة ظلـل عليهـم الغمـام مـن الشـمـس.
وعـن مجاهـد (( وظللنـا عليكـم الغمـام )) قـال: ليـس بالسـحاب، هـو الغمـام الـذي يأتـي الله فيـه فـي قولـه: (( هـل ينظـرون إلا أن يأتيهـم الله فـي ظلـل الغمـام والملائكـة )) وهـو الـذي جـاءت فيـه الملائكـة يـوم بـدر.
قـال ابـن عبـاس: وكـان معهـم فـي التيـه.
(( وأنزلنـا عليكـم المـنَّ )) اختلفـت عبـارات المفسِّـرين فـي المـنَّ مـا هـو ؟
فقـال ابـن عبـاس: كـان المـن ينـزل عليهـم علـى الأشـجار فيغـدون إليـه فيأكلـون منـه مـا شـاءوا.
وقـال السـدي: قالـوا: يـا موسـى كيـف لنـا بمـا ههنـا، أيـن الطعـام ؟ فأنـزل عليهـم المـنّ فكـان يسـقط علـى شـجرة الزنجبيـل.
وقـال قتـادة: كـان المـنّ ينـزل عليهـم فـي محلهـم سـقوط الثلـج، أشـد بياضـاً مـن اللبـن، وأحلـى مـن العسـل، يسـقط عليهـم مـن طلـوع الشـمـس يأخـذ الرجـل منهـم قـدر مـا يكفيـه يومـه ذلـك.
وقـال عبـد الرحمـن بـن أسـلم: إنـه العسـل.

والغـرض أن عبـارات المفسـرين متقاربـة فـي شـرح المـنّ. فمنهـم مـن فسـره بالطعـام، ومنهـم مـن فسـره بالشـراب، والظاهـر _ والله أعلـم _ أنـه كـل مـا امتـن الله بـه عليهـم مـن طعـام وشـراب وغيـر ذلـك ممـا ليـس لهـم فيـه عمـل ولا كـد.
فالمـنّ المشـهور إن أُكِـل وحـده كـان طعامـاً وحـلاوة، وإن مـزج مـع المـاء صـار شـراباً طيّبـاً، وإن ركـب مـع غيـره صـار نوعـاً آخـر، ولكـن ليـس هـو المـراد مـن الآيـة وحـده.
والدليـل علـى ذلـك قـول النبـي صلـى الله عليـه وسـلم: {{ الكمـأة مـن المـن وماؤهـا شـفاء للعيـن }} .
وقـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم: {{ العجـوة مـن الجنـة وفيهـا شـفاء مـن السـم، والكمـأة مـن المـن وماؤهـا شـفاء للعيـن }}.

وأمـا السـلوى فقـال ابـن عبـاس: السـلوى طائـر يشـبه السـماني كانـوا يأكلـون منـه.
وقـال قتـادة: السـلوى مـن طيـر إلـى الحمـرة تحشـرها عليهـم الريـح الجنـوب، وكـان الرجـل يذبـح منهـا قـدر مـا يكفيـه يومـه ذلـك، فـإذا تعـدَّ فسـد ولـم يبقـى عنـده، حتـى إن كـان يـوم سـادسـه ليـوم جمعتـه أخـذ مـا يكفيـه ليـوم سـادسـه ويـوم سـابعه لأنـه كـان يـوم عبـادة لا يشـخص فيـه لشـيء ولا يطلبـه.
وقـال السـدي: لمـا دخـل بنـو إسـرائيل التيـه قالـوا لموسـى عليـه السـلام: كيـف لنـا بمـا ههنـا، أيـن الطعـام ؟ فأنـزل الله عليهـم المـنّ. فكـان ينـزل علـى شـجرة الزنجبيـل، والسـلوى وهـو طائـر يشـبه السـماني أكبـر منـه فكـان يأتـي أحدهـم فينظـر إلـى الطيـر، فـإذا كـان سـميناً ذبحـه وإلا أرسـله فـإذا سـمن أتـاه، فقـالوا: هـذا الطعـام فأيـن الشـراب ؟ فأمـر موسـى فضـرب بعصـاه الحجـر فانفجـرت منـه اثنتـا عشـرة عينـاً فشـرب كـل سـبط مـن عيـن، فقالـوا: هـذا الشـراب فأيـن الظـل ؟ فظلـل عليهـم الغمـام، فقالـوا: هـذا الظـل فأيـن اللبـاس ؟ فكانـت ثيابهـم تطـول معهـم كمـا تطـول الصبيـان ولا يتخـرق لهـم ثـوب فذلـك قولـه تعالـى: (( وظللنـا عليهـم الغمـام وأنزلنـا عليهـم المـن والسـلوى )).
قـال ابـن عبـاس: خلـق لهـم فيـه التيـه ثيـاب لا تخـرق ولا تـدرن .
قـال ابـن جريـج: فكـان إذا أخـذ مـن المـنِّ والسـلوى فـوق يـوم فسـد إلا أنهـم كانـوا يأخـذون فـي يـوم الجمعـة طعـام يـوم السـبت فـلا يصبـح فسـاداً.

وقولـه تعالـى: (( كلـوا مـن طيبـات مـا رزقناكـم )) أمـر إباحـة وإرشـاد وامتنـان.
وقولـه تعالـى: (( ومـا ظلمونـا ولكـن كانـوا أنفسـهم يظلمـون )) أي أمرناهـم بالأكـل ممـا رزقناهـم وأن يعبـدوا، كمـا قـال: (( كلـوا مـن رزق ربكـم واشـكروا لـه )) فخالفـوا وكفـروا فظلمـوا أنفسـهم. هـذا مـع مـا شـاهدوه مـن الآيـات البينـات، والمعجـزات القاطعـات، وخـوارق العـادات.
ومـن ههنـا تتبيـن فضيلـة أصحـاب محمـد صلـى الله عليـه وسـلم ورضـي عنهـم علـى سـائر أصحـاب الأنبيـاء، فـي صبرهـم وثباتهـم، وعـدم تعنتهـم مـع مـا كانـوا معـه فـي أسـفاره وغزواتـه، منهـا عـام تبـوك فـي ذلـك القيـظ والحـر الشـديد والجهـد، لـم يسـألوا خـرق عـادة ولا إيجـاد أمـر مـع أن ذلـك كـان سـهلاً علـى النبـي صلـى الله عليـه وسـلم، ولكـن لمـا أجهدهـم الجـوع سـألوه تكثيـر طعامهـم فجمعـوا مـا معهـم فجـاء قـدر مبـرك الشـاة فدعـا الله فيـه وأمرهـم فملئـوا كـل وعـاء معهـم، وكـذا لمـا احتاجـوا إلـى المـاء سـأل الله تعالـى فجاءتهـم سـحابة فأمطرتهـم فشـربوا وسـقوا الإبـل وملئـوا أسـقيتهم ثـم نظروا فـإذا هـي لـم تجـاوز العسـكر.


(( وإذ قلنـا ادخلـوا هـذهِ القريـةَ فكلـوا منهـا مِـن حيـثُ شِـئتم رغَـداً وقولـوا حِطَّـةٌ نغفـر لكـم خطاياكُـم وسـنزيد المحسـنينَ l فبـدَّلَ الذيـنَ ظلمـوا قـولاً غيـرَ الـذي قيـلَ لهـم فأنزلنـا علـى الذيـنَ ظلمـوا رِجـزاً مـنَ السَّـماءِ بمـا كانـوا يفسُـقونَ )) / 59 /

يقـول تعالـى لائمـاً لهـم علـى نكولهـم عـن الجهـاد، ودخولهـم الأرض المقدسـة لمـا قدمـوا مـن بـلاد مصـر صحبـة موسـى عليـه السـلام فأمـروا بدخـول الأرض المقدسـة، التـي هـي ميـراث لهـم عـن أبيهـم إسـرائيل، وقتـال مـن فيهـا مـن العماليـق الكفـرة، فنكلـوا عـن قتالهـم وضعفـوا واسـتحسـروا، فرماهـم الله فـي التيـه عقوبـة لهـم، كمـا ذكـره تعالـى فـي سـورة المائـدة، ولهـذا كـان أصـح القوليـن أن هـذه البلـدة هـي ( بيـت المقـدس ) كمـا نـص علـى ذلـك غيـر واحـد.
وقـد قـال تعالـى حاكيـاً عـن موسـى: (( يـا قـوم ادخلـوا الأرض المقدسـة التـي كتـب الله لكـم ولا ترتـدوا )) الآيـات.
وقـال آخـرون: هـي ( أريحـاء ) وهـذا بعيـد لأنهـا ليسـت علـى طريقهـم وهـم قاصـدون بيـت المقـدس لا أريحـاء.
وأبعـد مـن ذلـك قـول مـن ذهـب أنهـا ( مصـر ) حكـاه الـرازي فـي تفسـيره.

والصحيـح الأول أنهـا بيـت المقـدس، وهـذا كـان لمـا خرجـوا مـن التيـه بعـد أربعيـن سـنة مـع يوشـع بـن نـون عليـه السـلام، ولمـا فتحوهـا أمـروا أن يدخلـوا البـاب _ بـاب البلـد _ ( سـجداً ) أي شـكراً لله تعالـى علـى مـا أنعـم بـه عليهـم مـن الفتـح والنصـر، ورد بلدهـم عليهـم وإنقاذهـم مـن التيـه والضـلال.
قـال العوفـي فـي تفسـيره عـن ابـن عبـاس: (( وادخلـوا البـاب سـجداً )) أي ركعـاً.
وقـتال الحسـن البصـري: أُمـروا أن يسـجدوا علـى وجوههـم حـال دخولهـم واسـتبعده الـرازي.
وحكـي عـن بعضهـم أن المـراد ههنـا بالسـجود الخضـوع لتعـذر حملـه علـى حقيقتـه.
وقـال السـدي: عـن عبـد الله بـن مسـعود: قيـل لهـم ادخلـوا البـاب سـجداً فدخلـوا مقنعـي رؤوسـهم أي رافعـي رؤوسـهم خـلاف مـا أُمـروا.

وقولـه تعالـى: (( وقولـوا حطـةٌ ))
قـال ابـن عبـاس: مغفـرة، اسـتغفروا.
وقـال الضحّـاك عـن ابـن عبـاس (( وقولـوا حطـةٌ )) قـال: قولـوا هـذا الأمـر حـق كمـا قيـل لكـم.
وقـال الحسـن وقتـادة: أي احطـط عنـا خطايانـا (( نغفـر لكـم خطاياكـم وسـنزيد المحسـنين )).
وقـال: هـذا جـواب الأمـر، أي إذا فعلتـم مـا أمرناكـم، غفرنـا لكـم الخطيئـات، وضاعفنـا لكـم الحسـنات.

وحاصـل الأمـر أنهـم أمـروا أن يخضعـوا لله تعالـى عنـد الفتـح بالفعـل والقـول، وان يعترفـوا بذنوبهـم ويسـتغفروا منهـا.
ولهـذا كـان عليـه الصـلاة والسـلام يظهـر عليـه الخضـوع جـداً عنـد النصـر، كمـا روي أنـه كـان يـوم الفتـح ( فتـح مكـة ) داخـلاً إليهـا مـن الثنيـة العليـا وإنـه لخاضـع لربـه عثنونـه ليمـس مـورك رحلـه شـكراً لله تعالـى.
( العثنـون: : مـا نَبَـتَ مـن الشّـعرِ علـى الذقـنِ وتحتـه ).

وقولـه تعالـى: (( فبـدل الذيـن ظلمـوا قـولاً غيـر الـذي قيـل لهـم ))
روى البخـاري عـن النبـي صلـى الله عليـه وسـلم: {{ قيـل لبنـي إسـرائيل ادخلـوا البـاب سـجداً وقولـوا حطـة، فدخلـوا يزحفـون علـى أسـتاههم، فبدلـوا وقالـوا حبـة فـي شـعرة }}.
وقـال الثـوري عـن ابـن عبـاس فـي قولـه تعالـى (( ادخلـوا البـاب سـجداً )) قـال: ركعـاً مـن بـاب صغيـر، فدخلـوا مـن قبـل أسـتاههم، وقالـوا حنطـة. فذلـك قولـه تعالـى: ((فبـدل الذيـن ظلمـوا قـولاً غيـر الـذي قيـل لهـم )).

وحاصـل مـا ذكـره المفسـرون ومـا دلّ عليـه السـياق أنهـم بدلـوا أمـر الله لهـم مـن الخضـوع بالقـول والفعـل، فأُمـروا أن يدخلـوا سـجداً فدخلـوا يزحفـون علـى أسـتاتهم رفعـي رؤوسـهم، وأُمـروا أن يقولـوا حطـة، أي احطـط عنـا ذنوبنـا وخطايانـا، فاسـتهزءوا فقالـوا حنطـة فـي شـعيرة. وهـذا فـي غايـة مـا يكـون مـن المخالفـة والمعانـدة، ولهـذا أنـزل الله بهـم بأسـه وعذابـه بفسـقهم وهـو خروجهـم عـن طاعتـه، ولهـذا قـال: (( فأنزلنـا علـى الذيـن ظلمـوا رجـزاً مـن السـماء بمـا كانـوا يفسـقون )).
وقـال الضحّـاك عـن ابـن عبـاس: كـل شـيء فـي كتـاب الله مـن الرجـز يعنـي بـه العـذاب.
وقـال أبـو العاليـة: الرجـز: الغضـب.
وقـال سـعيد بـن جبيـر: هـو الطاعـون، لحديـث: {{ الطاعـون رجـز عـذاب عـذِّب بـه مـن كـان قبلكـم }}.


(( وإذ اسـتسـقى موسـى لقومـهِ فقلنـا اضـرِب بعصـاكَ الحجـرَ فانفجـرَت مِنـهُ اثنتـا عشـرةَ عينـاً قـد علِـمَ كُـلّ أنـاسٍ مشـربهُم كلـوا واشـربوا مِـن رِزقِ اللهِ ولا تعثَـوا فـي الأرضِ مفسِـدينَ )) / 60 /



يقـول تعالـى: واذكـروا نعمتـي عليكـم فـي إجابتـي لنبيكـم موسـى عليـه السـلام، حيـن اسـتسـقاني لكـم وتيسـيري لكـم المـاء، وإخراجـه لكـم مـن حجـر يحمـل معكـم، وتفجيـري المـاء لكـم منـه مـن اثنتـي عشـرة عينـاً، لكـل سـبط مـن أسـباطكم عيـنٌ قـد عرفوهـا، فكلـوا مـن المـن والسـلوى واشـربوا مـن هـذا المـاء الـذي أنبعتـه لكـم، بـلا سـعي منكـم ولا كـد، واعبـدوا الـذي سـخر لكـم ذلـك.
(( ولا تعثـوا فـي الأرض مفسـدين )) ولا تقابلـوا النِعـم بالعصيـان فتُسْـلَبوهـا.
وقـد بسـطه المفسـرون فـي كلامهـم كمـا قـال ابـن عبـاس رضـي الله عنـه: وجعـل بيـن ظهرانيهـم حجـر مربـع، وأمـر موسـى عليـه السـلام فضربـه بعصـاه فانفجـرت منـه اثنتـا عشـرة عينـاً فـي كـل ناحيـة منـه ثـلاث عيـون، وأعلـم كـل سـبط عينهـم يشـربون منهـا.
وقـال قتـادة: كـان حجـراً طوريـاً _ مـن الطـور _ يحملونـه معهـم حتـى إذا نزلـوا ضربـه موسـى بعصـاه.
وقيـل: هـو الحجـر الـذي وضـع عليـه موسـى ثوبـه حيـن اغتسـل فقـال لـه جبريـل ارفـع هـذا الحجـر فـإن فيـه قـدرة، ولـك فيـه معجـزة، فحملـه فـي مخلاتـه.
وقـال الزمخشـري: ويحتمـل أن تكـون الـلام للجنـس لا للعهـد، أي اضـرب الشـيء الـذي يقـال لـه الحجـر.
وعـن الحسـن: لـم يأمـره أن يضـرب حجـراً بعينـه، قـال: وهـذا أظهـر فـي المعجـزة وأبيـن فـي القـدرة، فكـان يضـرب الحجـر بعصـاه فينفجـر ثـم يضربـه فييبـس.
وقـال الضحّـاك، قـال ابـن عبـاس: لمـا كـان بنـو إسـرائيل فـي التيـه شـق لهـم مـن الحجـر أنهـاراً.
وقـال الثـوري عـن ابـن عبـاس: قـال ذلـك فـي التيـه، ضـرب لهـم موسـى الحجـر فصـار منـه اثنتـا عشـرة عينـاً مـن المـاء لكـل سـبط منهـم عيـن يشـربون منهـا.


مختصـر ابـن كثيـر / الصفحـة 65 ، 66 ، 67 ، 68 ، 69 /


يتبـع إن شـاء الله ...
************************