الوردة القرمزية
أخواتـي الغاليـات...
نـور الشـمس... وردة الجـوري...
لا أملـك سـوى الشـكر لكـم...
دعواتكـم لـي هـي التـي تسـاعدني علـى المتابعـة...
**********************
بسـم الله الرحمـن الرحيـم

(( ومـن النـاس مـن يقـول آمنـا ومـا هـم بمؤمنيـن ? يخادعـون الله والذيـن آمنـوا ومـا يخدعـون إلا أنفسـهم ومـا يشـعرون )) / 9 /

لمـا تقـدم وصـف المؤمنيـن فـي صـدر السـورة بأربـع آيـات، ثـم عـرف حـال الكافريـن بآيتيـن، شـرع تعالـى فـي بيـان حـال المنافقيـن، الذيـن يظهـرون الإيمـان ويبطنـون الكفـر، ولمـا كـان أمرهـم يشـتبه علـى كثيـر مـن النـاس، أطنـب فـي ذكرهـم بصفـات متعـددة، كـل منهـا نفـاق، كمـا أنـزل سـورة
" بـراءة " وسـورة " المنافقيـن " فيهـم، وذكرهـم فـي سـورة " النـور " وغيرهـا مـن السـور، تعريفـاً لأحوالهـم لتجتنـب ويُجتنـب مـن تلبـس بهـا أيضـاً، فقـال تعالـى: (( ومـن النـاس مـن يقـول آمنـا بالله ... )) الآيـات.
والنفـاق: هـو إظهـار الخيـر وإسـرار الشـر، وهـو أنـواع: اعتقـادي وهـو الـذي يخلـد صاحبـه فـي النـار، وعملـي: وهـو أكبـر الذنـوب، لأن المنافـق يخالـف قولـه فعلـه، وسـره علانيتـه، وإنمـا نزلـت صفـات المنافقيـن فـي السـور المدنيـة، لأن مكـة لـم يكـن فيهـا نفـاق بـل كـان خلافـه، ولهـذا نبـه الله سـبحانه علـى صفـات المنافقيـن لئـلا يغتـر بظاهـر أمرهـم المؤمنـون، فيقـع لذلـك فسـاد عريـض مـن عـدم الاحتـراز منهـم ، ومـن اعتقـاد إيمانهـم وهـم كفـار فـي نفـس الأمـر، وهـذا مـن المحـذورات الكبـار أن يظـن بأهـل الفجـور خيـراً، فقـال تعالـى: (( ومـن النـاس مـن يقـول آمنـا بالله واليـوم الآخـر )) أي يقولـون ذلـك قـولاً كمـا قـال تعالـى: (( إذا جـاءك المنافقـون قالـوا نشـهد إنـك لرسـول الله )) ، أي إنمـا يقولـون ذلـك إذا جـاءوك فقـط لا فـي نفـس الأمـر، وليـس الأمـر كذلـك، كمـا كذبهـم الله فـي شـهادتهم بقولـه: (( والله يشـهد إن المنافقيـن لكاذبـون )) وفـي اعتقادهـم بقولـه: (( ومـا هـم بمؤمنيـن )) .
وقولـه تعالـى: (( يخادعـون الله والذيـن آمنـوا )) أي بإظهـار مـا أظهـروه مـن الإيمـان مـع إسـرارهم الكفـر، يعتقـدون _ بجهلهـم _ أنهـم يخدعـون الله بذلـك وأن ذلـك نافعهـم عنـده، وأنـه يـروج عليـه كمـا قـد يـروج علـى بعـض المؤمنيـن، ولهـذا قابلهـم علـى اعتقادهـم ذلـك بقولـه: (( ومـا يخدعـون إلا أنفسـهم ومـا يشـعرون )) أي مـا يغـرون بصنيعهـم هـذا إلا أنفسـهم، ومـا يشـعرون بذلـك مـن أنفسـهم كمـا قـال تعالـى: (( إن المنافقيـن يخادعـون اله وهـو خادعهـم )) ، ومـن القـراء مـن قـرأ: ( ومـا يخادعـون ) وكـلا القراءتيـن يرجـع إلـى معنـى واحـد.

(( فـي قلوبهـم مـرض فزادهـم الله مرضـاً ولهـم عـذاب أليـم بمـا كانـوا يكذبـون )) / 10 /

(( فـي قلوبهـم مـرض )) أي شـك (( فزادهـم الله مرضـاً )) شـكاً، وعـن ابـن عبـاس (( مـرض )) نفـاق (( فزادهـم الله مرضيـاً )) نفاقـاً، وهـذا كالأول. وقـال عبـد الرحمـن بـن أسـلم: هـذا مـرض فـي الديـن وليـس مرضـاً فـي الأجسـاد، والمـرض الشـك الـذي دخلهـم فـي الإسـلام (( فزادهـم الله مرضـاً )) أي زادهـم رجسـاً . وقـرأ : (( فأمـا الذيـن آمنـوا فزادتهـم إيمانـاً وهـم يسـتبشـرون . وأمـا الذيـن فـي قلوبهـم مـرض فزادتهـم رجسـاً إلـى رجسـهم )) يعنـى شـراً إلـى شـرهم، وضلالـة إلـى ضلالتهـم وهـذا الـذي قالـه هـو الجـزاء مـن جنـس العمـل.
(( ولهـم عـذاب أليـم بمـا كانـوا يكذبـون )) وقـرئ ( يَكذبـون )و ( يُكَذبـون ) وقـد كانـوا متصفيـن بهـذا وهـذا، فإنهـم كانـوا كذبـة ويكذبـون بالغيـب، يجمعـون بيـن هـذا وهـذا، وحكمـة كفـه عليـه الصـلاة والسـلام عـن قتـل المنافقيـن، مـع علمـه بأعيـان بعضهـم مـا ثبـت فـي الصحيحيـن أنـه صلـى الله عليـه وسـلم قـال لـ عمـر رضـي الله عنـه: {{ أكـره أن يتحـدث العـرب أن محمـداً يقتـل أصحابـه }} ، ومعنـى هـذا خشـيته عليـه السـلام أن يقـع بسـبب ذلـك تغيـر لكثيـر مـن الأعـراب عـن الدخـول فـي الإسـلام، ولا يعلمـون حكمـة قتلـه لهـم، وأن قتلـه إياهـم إنمـا هـو علـى الكفـر، فإنهـم إنمـا يأخذونـه بمجـرد مـا يظهـر لهـم فيقولـون: إن محمـداً يقتـل أصحابـه.
وقـال الشـافعي: إنمـا منـع رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم مـن قتـل المنافقيـن مـا كانـوا يظهرونـه مـن الإسـلام مـع العلـم بنفاقهـم، لأن مـا يظهرونـه يجـبُّ مـا قبلـه.
وفـي الحديـث المجمـع علـى صحتـه: {{ أمـرت أن أقاتـل النـاس حتـى يقولـوا لا إلـه إلا إلـه إلا الله ، فـإذا قالوهـا عصمـوا منـي دماءهـم وأموالهـم إلا بحقهـا، وحسـابهم علـى الله عـز وجـل }} . ومعنـى هـذا أن مـن قالهـا جـرت عليـه أحكـام الإسـلام ظاهـراً ، فـإن كـان يعتقدهـا وجـد ثـواب ذلـك فـي الآخـرة، وإن لـم يعتقدهـا لـم ينفعـه جريـان الحكـم عليـه فـي الدنيـا: (( ينادونهـم ألـم نكـن معكـم قالـوا بلـى ولكنكـم فتنتـم أنفسـكم وتربصتـم وارتبتـم وغرتكـم الأمانـي حتـى جـاء أمـر الله )) الآيـة، فهـم يخالطونهـم فـي المحشـر فـإذا حقـت المحقوقيـة تميـزوا منهـم وتخلفـوا بعدهـم (( وحيـل بينهـم وبيـن مـا يشـتهون )) .

وإذا قيـل لهـم لا تفسـدوا فـي الأرض قالـوا إنمـا نحـن مصلحـون . إلا إنهـم هـم المفسـدون ولكـن لا يشـعرون )) / 12 /

قـال السـدي عـن ابـن مسـعود وعـن أنـاس مـن أصحـاب النبـي صلـى الله عليـه وسـلم: هـم المنافقـون، والفسـاد فـي الأرض هـو الكفـر والعمـل بالمعصيـة، وقـال أبـو العاليـة: (( لا تفسـدوا فـي الأرض )) يعنـي لا تعصـوا فـي الأرض، وكـان فسـادهم ذلـك معصيـة الله، لأنـه مـن عصـى الله فـي الأرض، أو أمـر بمعصيتـه فقـد أفسـد فـي الأرض، لأن صـلاح الأرض والسـماء بالطاعـة، وقـال مجاهـد: إذا ركبـوا معصيـة الله فقيـل لهـم: لا تفعلـوا كـذا وكـذا قالـوا: إنمـا نحـن علـى الهـدى مصلحـون.
قـال ابـن جريـر: فأهـل النفـاق مفسـدون فـي الأرض بمعصيتهـم ربهـم، وركوبهـم مـا نهاهـم عـن ركوبـه، وتضييعهـم فرائضـه، وشـكهم فـي دينـه، وكذبهـم المؤمنيـن بدعواهـم غيـر مـا هـم مقيمـون عليـه مـن الشـك والريـب، ومظاهرتهـم أهـل التكذيـب بالله وكتبـه ورسـله علـى أوليـاء الله إذا وجـدوا إلـى ذلـك سـبيلاً، فذلـك إفسـاد المنافقيـن فـي الأرض، وهـم يحسـبون أنهـم بفعلهـم ذلـك مصلحـون فيهـا. فالمنافـق لمـا كـان ظاهـره الإيمـان اشـتبه أمـره علـى المؤمنيـن، وغرهـم بقولـه الـذي لا حقيقـة لـه، ووالـى الكافريـن علـى المؤمنيـن، ولـو أنـه اسـتمر علـى حالـه الأول لكـان شـره أخـف، ولهـذا قـال تعالـى: (( وإذا قيـل لهـم لا تفسـدوا فـي الأرض قالـوا إنمـا نحـن مصلحـون )) أي نريـد أن نـداري الفريقيـن مـن المؤمنيـن والكافريـن، ونصطلـح مـع هـؤلاء وهـؤلاء. قـال ابـن عبـاس (( إنمـا نحـن مصلحـون )) أي إنمـا نريـد الإصـلاح بيـن الفريقيـن مـن المؤمنيـن وأهـل الكتـاب. يقـول الله تعالـى: (( ألا إنهـم هـم المفسـدون ولكـن لا يشـعرون )) يقـول: ألا إن هـذا الـذي يزعمـون أنـه إصـلاح هـو عيـن الفسـاد، ولكـن مـن جهلهـم لا يشـعرون بكونـه فسـاداً.

(( وإذا قيـل لهـم آمنـوا كمـا آمـن النـاس قالـوا أنؤمـن كمـا آمـن السـفهاء ألا إنهـم هـم السـفهـاء ولكـن لا يعلمـون )) / 13 /

يقـول تعالـى: (( وإذا قيـل لهـم آمنـوا كمـا آمـن النـاس )) أي كإيمـان النـاس بالله وملائكتـه وكتبـه ورسـله، والبعـث بعـد المـوت، والجنـة والنـار، وغيـر ذلـك ممـا أخبـر المؤمنيـن بـه، وأطيعـوا الله ورسـوله فـي امتثـال الأوامـر، وتـرك الزواجـر. (( قالـوا أنؤمـن كمـا آمـن السـفهاء )) يعنـون _ لعنهـم الله _ أصحـاب رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم، يقولـون: أنصيـر نحـن وهـؤلاء بمنزلـة واحـدة، وعلـى طريقـة واحـدة، وهـم سـفهاء ؟
والسـفيه: هـو الجاهـل الضعيـف الـرأي، القليـل المعرفـة بالمصالـح والمضـار، ولهـذا سـمى الله النسـاء والصبيـان سـفهاء فـي قولـه تعالـى: (( ولا تؤتـوا السـفهاء أموالكـم التـي جعـل الله قيامـاً )) وقـد تولـى سـبحانه جوابهـم فـي هـذه المواطـن كلهـا فقـال: (( إلا إنهـم هـم السـفهاء )) فأكـد وحصـر السـفاهة فيهـم . (( ولكـن لا يعلمـون )) يعنـي ومـن تمـام جهلهـم أنهـم لا يعلمـون بحالهـم فـي الضلالـة والجهـل، وذلـك أبلـغ فـي العمـى والبعـد عـن الهـدى.

مختصـر ابـن كثيـر/ صفحـة 32 ، 33 ، 34 ، 35 /

يتبـع إن شـاء الله ...
الوردة القرمزية
بسـم الله الرحمـن الرحيـم

أخواتـي فـي الله ...
أعتـذر... وبشـدة عـن انقطاعـي فـي الأيـام الأخيـرة...
كـان لـدي بعـض المشـاكل فـي حاسـوبي...
لكـن الآن... والحمـد لله ... كـل شـيء علـى مـا يـرام...
سـأعود للمتابعـة الآن... دون انقطـاع... بـإذن الله ...
**************************
بسـم الله الرحمـن الرحيـم

(( وإذا لقـوا الذيـن آمنـوا قالـوا آمنـا وإذا خلـوا إلـى شـياطينهم قالـوا إنـا معكـم إنمـا نحـن مسـتهزءون ● الله يسـتهزئ بهـم ويمدهـم فـي طغيانهـم يعمهـون )) / 15 /

أي، وإذا لقـي هـؤلاء المنافقـون المؤمنيـن قالـوا آمنـا، وأظهـروا لهـم الإيمـان والموالاة، غـروراً منهـم للمؤمنيـن ونفاقـاً ومصانعـة وتقيـة، وليشـركوهم فيمـا أصابـوا مـن خيـر أو مغنـم. (( وإذا خلـو إلـى شـياطينهم )) يعنـي إذا انصرفـوا وخلصـوا إلـى شـياطينهم، فضمّـن ( خلـوا ) معنـى انصرفـوا لتعديتـه بـ إلـى ليـدل علـى الفعـل المضمـر، وشـياطينهم سـادتهم وكبراؤهـم، ورؤسـاؤهم مـن أحبـار اليهـود، ورؤوس المشـركين والمنافقيـن.
قـال السـدي عـن ابـن مسـعود (( وإذا خلـوا إلـى شـياطينهم )) يعنـي رؤسـاؤهم فـي الكفـر، وقـال ابـن عبـاس: هـم أصحابهـم مـن اليهـود الذيـن يأمرونهـم بالتكذيـب وخـلاف مـا جـاء بـه الرسـول صلـى الله عليـه وسـلم.
وقـال مجاهـد: أصحابهـم مـن المنافقيـن والمشـركين.
وقـال قتـادة: رؤسـاؤهم وقادتهـم فـي الشـرك والشـر.
قـال ابـن جريـر: وشـياطين كـل شـيء مردتـه، ويكـون الشـيطان مـن الإنـس والجـن، كمـا قـال تعالـى: (( شـياطين الإنـس والجـن يوحـي بعضهـم إلـى بعـض زخـرف القـول غـروراً )) .
وقولـه تعالـى: (( قالـوا إنـا معكـم ))أي إنـا علـى مثـل مـا أنتـم عليـه.
(( إنمـا نحـن مسـتهزءون )) أي إنمـا نسـتهزئ بالقـوم ونلعـب بهـم، وقـال ابـن عبـاس ( مسـتهزئون ) سـاخرون بأصحـاب محمـد صلـى الله عليـه وسـلم، وقولـه تعالـى جوابـاً لهـم ومقابلـة علـى صنيعهـم: (( الله يسـتهزئ بهـم ويمدهـم فـي طغيانهـم يعمهـون ))، قـال ابـن عبـاس: يسـخر بهـم للنقمـة منهـم (( ويمدهـم )) يملـى لهـم.
وقـال مجاهـد: يزيدهـم كقولـه تعالـى: (( أيحسـبون أنمـا نمدهـم بـه مـن مـال وبنيـن نسـارع لهـم فـي الخيـرات بـل لا يشـعرون )) .
قـال ابـن جريـر: أخبـر تعالـى أنـه فاعـل بهـم ذلـك يـوم القيامـة فـي قولـه تعالـى: (( يـوم يقـول المنافقـون والمنافقـات للذيـن آمنـوا انظرونـا نقتبـس مـن نوركـم )) الآيـة، وفـي قولـه: (( ولا يحسـبن الذيـن كفـروا أنمـا نملـي لهـم خيـر لأنفسـهم إنمـا نملـي لهـم ليـزدادوا إثمـاً )) الآيـة، قـال: فهـذا ومـا أشـبهه مـن اسـتهزاء الله تعالـى ومكـره وخديعتـه بالمنافقيـن وأهـل الشـرك.
وقـال آخـرون: اسـتهزاؤه بهـم وتوبيخـه إياهـم، ولومـه لهـم علـى مـا ارتكبـوا مـن معاصيـه.
وقـال آخـرون: قولـه: (( الله يسـتهزئ بهـم )) وقولـه: (( يخادعـون الله وهـو خادعهـم )) وقولـه: (( نسـوا الله فنسـيهم )) ومـا أشـبه ذلـك إخبـار مـن الله أنـه مجازيهـم جـزاء الاسـتهزاء، ومعاقبهـم عقوبـة الخـداع، فأخـرج الخبـر عـن الجـزاء مخـرج الخبـر عـن الفعـل الـذي اسـتحقوا العقـاب عليـه، فاللفـظ متفـق والمعنـى مختلـف، كمـا قـال الله تعالـى: (( وجـزاء سـيئة سـيئة مثلهـا )) ، وقولـه: (( فمـن اعتـدى عليكـم فاعتـدوا عليـه )) فالأول ظلـم والثانـي عـدل، فهمـا وإن اتفـق لفظهمـا فقـد اختلـف معناهمـا، وإلـى هـذا المعنـى وجهـوا كـل مـا فـي القـرآن مـن نظائـر ذلـك.
و ( العمـه ): الضـلال، يقـال: عمـه عمـاً إذا ضـل، وقولـه: (( فـي طغيانهـم يعمهـون )) أي فـي ضلالتهـم وكفرهـم يتـرددون حيـارى، لا يجـدون إلـى المخـرج منـه سـبيلاً لأن الله طبـع علـى قلوبهـم، وختـم عليهـا، وأعمـى أبصارهـم عـن الهـدى فـلا يبصـرون رشـداً ولا يهتـدون سـبيلاً.
وقـال بعضهـم: العمـه فـي القلـب، والعمـى فـي العيـن، وقـد يسـتعمل العمـى فـي القلـب أيضـاً كمـا قـال تعالـى: (( فإنهـا لا تعمـى الأبصـار ولكـن تعمـى القلـوب التـي فـي الصـدور )) .

(( أولئـك الذيـن اشـتروا الضلالـة بالهـدى فمـا ربحـت تجارتهـم ومـا كانـوا مهتديـن )) / 16 /

قـال السـدي عـن ابـن مسـعود وعـن نـاس مـن الصحابـة (( أولئـك الذيـن اشـتروا الضلالـة بالهـدى )) أخـذوا الضلالـة وتركـوا الهـدى.
وعـن ابـن عبـاس: (( أولئـك الذيـن اشــتروا الضلالـة بالهـدى )) أي الكفـر بالإيمـان.
وقـال مجاهـد: آمنـوا ثـم كفـروا.
وقـال قتـادة: اسـتحبوا الضلالـة علـى الهـدى. وهـذا الـذي قالـه قتـادة يشـبه فـي المعنـى قولـه تعالـى فـي ثمـود: (( فأمـا ثمـود فهديناهـم فاسـتحبوا العمـى علـى الهـدى )).

وحاصـل قـول المفسـرين فيمـا تقـدم: أن المنافقيـن عدلـوا عـن الهـدى إلـى الضـلال، واعتاضـوا عـن الهـدى بالضلالـة، وهـو معنـى قولـه تعالـى: (( أولئـك الذيـن اشـتروا الضلالـة بالهـدى )) أي بذلـوا الهـدى ثمنـاً للضلالـة، ولهـذا قـال تعالـى: (( فمـا ربحـت تجارتهـم ومـا كانـوا مهتديـن )) أي مـا ربحـت صفقتهـم فـي هـذه البيعـة، ومـا كانـوا مهتديـن أي راشـدين فـي صنيعهـم ذلـك.
وقـال ابـن جريـر عـن قتـادة: (( فمـا ربحـت تجارتهـم ومـا كانـوا مهتديـن )) قـد والله رأيتموهـم خرجـوا مـن الهـدى إلـى الضلالـة، ومـن الجماعـة إلـى الفرقـة، ومـن الأمـن إلـى الخـوف، ومـن السـنّـة إلـى البدعـة.

(( مثلهـم كمثـل الـذي اسـتوقد نـاراً فلمـا أضـاءت مـا حولـه ذهـب الله بنورهـم وتركهـم فـي ظلمـات لا يبصـرون ● صـم بكـم عمـي فهـم لا يرجعـون )) / 18 /

يقـال: مثـل، والجمـع أمثـال، قـال تعالـى: (( وتلـك الأمثـال نضربهـا للنـاس ومـا يعقلهـا إلا العالمـون )) ، وتقديـر هـذا المثـل أن الله سـبحانه شـبههم فـي اشـترائهم الضلالـة بالهـدى، وصيرورتهـم بعـد البصيـرة إلـى العمـى، بمـن اسـتوقد نـاراً، فلمـا أضـاءت مـا حولـه، وانتفـع بهـا وأبصـر بهـا مـا عـن يمينـه وشـماله وتأنـس بهـا... فبينمـا هـو كذلـك إذ طفئـت نـاره وصـار فـي ظـلام شـديد، لا يبصـر ولا يهتـدي وهـو مـع هـذا ( أصـم ) لا يسـمع، ( أبكـم ) لا ينطـق، ( أعمـى ) لـو كـان ضيـاء لمـا أبصـر، فلهـذا لا يرجـع إلـى مـا كـان عليـه قبـل ذلـك، فكذلـك هـؤلاء المنافقـون فـي اسـتبدالهم الضلالـة عوضـاًَ عـن الهـدى، واسـتحبابهم الغـي عـن الرشـد، وفـي هـذا المثـل دلالـة علـى أنهـم آمنـوا ثـم كفـروا، كمـا أخبـر الله تعالـى عنهـم فـي غيـر هـذا الموضـع والله أعلـم.
وقـال الـرازي: والتشـبيه ههنـا فـي غايـة الصحـة لأنهـم بإيمانهـم اكتسـبوا أولاً نـوراً، ثـم بنفاقهـم ثانيـاً أبطلـوا ذلـك، فوقعـوا فـي حيـرة عظيمـة، فإنـه لا حيـرة أعظـم مـن حيـرة الديـن.
وصـح ضـرب مثـل الجماعـة بالواحـد كمـا قـال تعالـى: (( مثـل الذيـن حملـوا التـوراة ثـم لـم يحملوهـا كمثـل الحمـار يحمـل أسـفاراً )) وقـال بعضهـم: تقديـر الكـلام مثـل قصتهـم كقصـة الذيـن اسـتوقدوا نـاراً، وقـد التفـت فـي أثنـاء المثـل مـن الواحـد إلـى الجمـع فـي قولـه تعالـى: (( فلمـا أضـاءت مـا حولـه ذهـب الله بنورهـم وتركهـم فـي ظلمـات لا يبصـرون . صـم بكـم عمـي فهـم لا يرجعـون )) ، وهـذا أفصـح فـي الكـلام وأبلـغ فـي النظـام.
وقولـه تعالـى: (( ذهـب الله بنورهـم )) أي ذهـب عنهـم بمـا ينفعهـم وهـو النـور وأبقـى لهـم مـا يضرهـم وهـو الإحـراق والدخـان، (( وتركهـم فـي الظلمـات )) وهـو مـا هـم فيـه مـن الشـك والكفـر والنفـاق. (( لا يبصـرون )) لا يهتـدون إلـى سـبيل خيـر ولا يعرفونهـا، وهـم مـع ذلـك (( صـم )) لا يسـمعون خيـراً، (( بكـم )) لا يتكلمـون بمـا ينفعهـم، (( عمـي )) فـي ضلالـة وعمايـة البصيـرة، كمـا قـال تعالـى: (( فإنهـا لا تعمـى الأبصـار ولكـن تعمـى القلـوب التـي فـي الصـدور )) ، فلهـذا لا يرجعـون إلـى مـا كانـوا عليـه مـن الهدايـة التـي باعوهـا بالضلالـة.
وقـال عبـد الرحمـن بـن زيـد بـن أسـلم فـي قولـه تعالـى: (( مثلهـم كمثـل الـذي اسـتوقد نـاراً )) إلـى آخـر الآيـة... قـال: هـذه صفـة المنافقيـن، كانـوا قـد آمنـوا حتـى أضـاء الإيمـان فـي قلوبهـم كمـا أضـاءت النـار لهـؤلاء الذيـن اسـتوقدوا نـاراً، ثـم كفـروا فذهـب الله بنورهـم فانتزعـه كمـا ذهـب بضـوء هـذه النـار فتركهـم فـي الظلمـات لا يبصـرون.

مختصـر ابـن كثيـر/ صفحـة 35 ، 36 ، 37 /

يتبـع إن شـاء الله ...
***************************************
الوردة القرمزية
بسـم الله الرحمـن الرحيـم

(( أو كصيـب مـن السـماء فيـه ظلمـات ورعـد وبـرق يجعلـون أصابعهـم فـي آذانهـم مـن الصواعـق حـذر المـوت والله محيـط بالكافريـن  يكـاد البـرق يخطـف أبصارهـم كلمـا أضـاء لهـم مشـوا فيـه وإذا أظلـم عليهـم قامـوا ولـو شـاء الله لذهـب بسـمعهم وأبصارهـم إن الله علـى كـل شـيء قديـر )) / 20 /

هـذا مثـل آخـر ضربـه الله تعالـى لضـرب آخـر مـن المنافقيـن، وهـم قـوم يظهـر لهـم الحـق تـارة ويشـكون تـارة أخـرى، فقلوبهـم فـي حـال شـكهم وكفرهـم وترددهـم ( كصيِّـب ) والصيـب: المطـر نـزل مـن السـماء فـي حـال ظلمـات وهـي الشـكوك والكفـر والنفـاق، و ( الرعـد ) : وهـو مـا يزعـج القلـوب مـن الخـوف، فـإن مـن شـأن المنافقيـن الخـوف الشـديد والفـزع كمـا قـال تعالـى: (( يحسـبون كـل صيحـة عليهـم )) ، وقـال: (( ويحلفـون بالله إنهـم لمنكـم ومـا هـم منكـم ولكنهـم قـوم يفرقـون ولـو يجـدون ملجـأً أو مغاراتٍ أو مدخـلاً لولـوا إليـه وهـم يجمحـون )) . و ( البـرق ) : هـو مـا يلمـع فـي قلـوب هـؤلاء الضـرب مـن المنافقيـن فـي بعـض الأحيـان مـن نـور الإيمـان، ولهـذا قـال: (( يجعلـون أصابعهـم فـي آذانهـم مـن الصواعـق حـذر المـوت والله محيـط بالكافريـن )) أي ولا يجـدي عنهـم حذرهـم شـيئاً لأن الله محيـط بهـم بقدرتـه، وهـم تحـت مشـيئته وإرادتـه، كمـا قـال: (( هـل أتـاك حديـث الجنـود . فرعـون وثمـود . بـل الذيـن كفـروا فـي تكذيـب . والله مـن ورائهـم محيـط )) أي بهـم.
ثـم قـال: (( يكـاد البـرق يخطـف أبصارهـم )) أي لشـدته وقوتـه فـي نفسـه وضعـف بصائرهـم وعـدم ثباتهـا للإيمـان.
قـال ابـن عبـاس: (( يكـاد البـرق يخطـف أبصارهـم )) أي لشـدة ضـوء الحـق (( كلمـا أضـاء لهـم مشـوا فيـه وإذا أظلـم عليهـم قامـوا )) أي كلمـا ظهـر لهـم مـن الإيمـان شـيء اسـتأنسـوا بـه واتبعـوه، وتـارة تعـرض لهـم الشـكوك أظلمـت قلوبهـم فوقفـوا حائريـن.
وعـن ابـن عبـاس: يعرفـون الحـق ويتكلمـون بـه، فهـم مـن قولهـم بـه علـى اسـتقامة فـإذا ارتكسـوا منـه إلـى الكفـر قامـوا: أي متحيريـن. وهكـذا يكونـون يـوم القيامـة عندمـا يعطـى النـاس النـور بحسـب إيمانهـم، فمنهـم مـن يعطـي مـن يعطـى مـن النـار مـا يضـيء لـه مسـيرة فراسـخ وأكثـر مـن ذلـك وأقـل مـن ذلـك، ومنهـم مـن يطفـأ نـوره تـارة ويضـيء أخـرى، ومنهـم مـن يمشـي علـى الصـراط تـارة ويقـف أخـرى، ومنهـم مـن يطفـأ نـوره بالكليـة وهـم الخلَّـص مـن المنافقيـن الذيـن قـال تعالـى فيهـم: (( يـوم يقـول المنافقـون والمنافقـات للذيـن أمنـوا انظرونـا نقتبـس مـن نوركـم قيـل ارجعـوا وراءكـم فالتمسـوا نـوراً )) . وقـال فـي حـق المؤمنيـن: (( يـوم تـرى المؤمنيـن والمؤمنـات يسـعى نورهـم بيـن أيديهـم وبأيمانهـم بشـراكم اليـوم جنـات تجـري مـن تحتهـا الأنهـار )) الآيـة. وقـل تعالـى: (( يـوم لا يخـزي الله النبـي والذيـن آمنـوا معـه . نورهـم يسـعى بيـن أيديهـم وبأيمانهـم . يقولـون ربنـا أتمـم لنـا نورنـا . واغفـر لنـا إنـك علـى كـل شـيء قديـر )) .
وقولـه تعالـى: (( ولـو شـاء الله لذهـب بسـمعهم وأبصارهـم إن الله علـى كـل شـيء قديـر )) . عـن ابـن عبـاس فـي قولـه تعالـى: (( ولـو شـاء الله لذهـب بسـمعهم وأبصارهـم )) ، قـال: لمـا تركـوا مـن الحـق بعـد معرفتـه ، (( إن الله علـى كـل شـيء قديـر )) : أي إن الله علـى كـل مـا أراد بعبـاده مـن نقمـة أو عفـو قديـر.
قـال ابـن جريـر: إنمـا وصـف الله تعالـى نفسـه بالقـدرة علـى كـل شـيء فـي هـذا الموضـع لأنـه حـذر المنافقيـن بأسـه وسـطوته وأخبرهـم أنـه بهـم محيـط، وعلـى إذهـاب أسـماعهم وأبصارهـم قديـر. ومعنـى ( قديـر ) قـادر كمـا معنـى (عليـم ) عالـم.
وذهـب ابـن جريـر ومـن تبعـه مـن كثيـر مـن المفسـرين إلـى هذيـن المثليـن مضروبـان لصنـف واحـد مـن المنافقيـن. وتكـون ( أو ) فـي قولـه تعالـى: (( أو كصيـب مـن السـماء )) بمعنـى الـواو، كقولـه تعالـى: (( ولا تطـع منهـم آثمـاً أو كفـوراً )) ، أو تكـون للتخييـر. أي اضـرب لهـم مثـلاً بهـذا وإن شـئت بهـذا.
قـال القرطبـي: أو للتسـاوي مثـل جالـس الحسـن وابـن سـيرين، ووجهـه الزمخشـري بـأن كـلاً منهمـا مسـاو للآخـر فـي إباحـة الجلـوس إليـه ويكـون معنـاه علـى قولـه: سـواء ضربـت لهـم مثـلاً بهـذا أو بهـذا فهـو مطابـق لحالهـم.
( قلـت ) : وهكـذا يكـون باعتبـار جنـس المنافقيـن فإنهـم أصنـاف ولهـم وأحـوال وصفـات، كمـا ذكرهـا الله تعالـى فـي سـورة ( بـراءة ) _ ومنهـم _ ومنهـم _ ومنهـم _ يذكـر أحوالهـم وصفاتهـم ومـا يعتمدونـه مـن الأفعـال والأقـوال، فجعـلُ هذيـن المثليـن لصنفيـن منهـم أشـد مطابقـة لأحوالهـم وصفاتهـم والله أعلـم، كمـا ضـرب المثليـن مـن سـورة ( النـور ) لصنفـي الكفـار الدعـاة والمقلديـن، فـي قولـه تعالـى: (( والذيـن كفـروا أعمالهـم كسـراب بقيعـة )) ، إلـى أن قـال: (( أو كظلمـات فـي بحـر لجـي )) الآيـة. فـالأول للدعـاة الذيـن هـم فـي جهـل مركـب، والثانـي لـذوي الجهـل البسـيط مـن الأتبـاع المقلديـن، والله أعلـم بالصـواب.

(( يـا أيهـا النـاس اعبـدوا ربكـم الـذي خلقكـم والذيـن مـن قبلكـم لعلكـم تتقـون  الـذي جعـل لكـم الأرض فراشـاً والسـماء بنـاءً وأنـزل مـن السـماء مـاءً فأخـرج بـه مـن الثمـرات رزقـاً لكـم فـلا تجعلـوا لله أنـداداً وأنتـم تعلمـون )) / 22 /

شـرع تعالـى فـي بيـان وحدانيـة ألوهيتـه بأنـه هـو المنعـم علـى عبيـده بإخراجهـم مـن العـدم إلـى الوجـود، وإسـباغه عليهـم النعـم الظاهـرة والباطنـة، بـأن جعـل لهـم الأرض فراشـاً: أي مهـداً كالفـراش، مقـررة موطـأة مثبتـة كالرواسـي الشـامخات.
(( والسـماء بنـاءً )) وهـو السـقف، كمـا قـال تعالـى: (( وجعلنـا السـماء سـقفاً محفوظـاً وهـم عـن آياتهـا معرضـون )) .
(( وأنـزل مـن السـماء مـاء )) والمـراد بـه السـحاب ههنـا فـي وقتـه عنـد احتياجهـم إليـه، فأخـرج لهـم بـه مـن أنـواع الـزروع والثمـار رزقـاً لهـم ولأنعامهـا.
ومضمونـه: أنـه الخالـق الـرازق مالـك الـدار وسـاكنيها ورازقهـم، فبهـذا يسـتحق أن يعبـد وحـده ولا يشـرك بـه غيـره، ولهـذا قـال: ((فـلا تجعلـوا لله أنـداداً وأنتـم تعملـون )) .
وفـي الصحيحيـن عـن ابـن مسـعود قـال، قلـت: يـا رسـول الله أي الذنـب أعظـم عنـد الله ؟ قـال: {{ أن تجعـل لله أنـداداً وهـو خلقـك }} الحديـث.
وكـذا حديـث معـاذ: أتـدري مـا حـق الله علـى عبـاده ؟ {{ أن يعبـدوه ولا يشـركوا بـه شـيئاً }} الحديـث.
وفـي حديـث آخـر: {{ لا يقولـن أحدكـم مـا شـاء الله وشـاء فـلان ولكـن ليقـل مـا شـاء الله ثـم شـاء فـلان }} .
وعـن ابـن عبـاس قـال: قـال رجـل للنبـي صلـى الله عليـه وسـلم: مـا شـاء الله وشـئت، فقـال: {{ أجعلتنـي لله نـداً ؟ قـل مـا شـاء الله وحـده }} ، وهـذا كلـه صيانـة وحمايـة لجنـاب التوحيـد والله أعلـم.
قـال ابـن عبـاس، قـال الله تعالـى: (( يـا أيهـا النـاس اعبـدوا ربكـم )) للفريقيـن جميعـاً مـن الكفـار والمنافقيـن، أي وحـدوا ربكـم الـذي خلقكـم والذيـن مـن قبلكـم. وعنـه أيضـاً (( فـلا تجعلـوا لله أنـداداً وأنتـم تعلمـون )) : أي الـذي يدعوكـم إليـه الرسـول صلـى الله عليـه وسـلم مـن التوحيـد هـو الحـق الـذي لا يشـك فيـه.
قـال أبـو العاليـة: (( فـلا تجعلـوا لله أنـداداً )) أي عـدلاء شـركاء.
وقـال مجاهـد (( فـلا تجعلـوا لله أنـداداً وأنتـم تعلمـون )) قـال: تعلمـون أنـه إلـه واحـد فـي التـوراة والإنجيـل.

""" ذكـر حديـث قـي معنـى هـذه الآيـة الكريمـة """

روى الإمـام أحمـد بسـنده عـن الحـارث الأشـعري أن نبـي الله قـال: {{ إن الله عـز وجـل أمـر يحيـى بـن زكريـا عليـه السـلام بخمـس كلمـات أن يعمـل بهـن وأن يأمـر بنـي إسـرائيل أن يعملـوا بهـن، وأنـه كـاد أن يبطـئ بهـا فقـال لـه عيسـى عليـه السـلام إنـك قـد أمـرت بخمـس كلمـات أن تعمـل بهـن وتأمـر بنـي إسـرائيل أن يعملـوا بهـن، فأمـا أن تبلغهـن وإمـا أن أبلغهـن ؟ فقـال: يـا أخـي إنـي أخشـى إن سـبقتني أن أعـذب أو يخسـف بـي. قـال: فجمـع يحيـى بـن زكريـا بنـي إسـرائيل فـي بيـت المقـدس حتـى امتـلأ المسـجدـ فقعـد علـى الشُّـرف فحمـد الله وأثنـى عليـه ثـم قـال: إن الله أمرنـي بخمـس كلمـات أن أعمـل بهـن وأمركـم أن تعملـوا بهـن. أولهـن أن تعبـدوا الله ولا تشـركوا بـه شـيئاً فـإن مثـل ذلـك كمثـل رجـل اشـترى عبـداً مـن خالـص مالـه بـورق أو ذهـب فجعـل يعمـل ويـؤدي غلتـه إلـى غيـر سـيده، فأيكـم يسـره أن يكـون عبـده كذلـك ؟ وإن الله خلقكـم ورزقكـم فاعبـدوه ولا تشـركوا بـه شـيئاً. وأمركـم بالصـلاة فـإن الله ينصـب وجهـه لوجـه عبـده مـا لـم يلتفـت فـإذا صليتـم فـلا تلتفتـوا. وأمركـم بالصيـام فـإن مثـل ذلـك كمثـل رجـل معـه صـرة مـن مسـك فـي عصابـة كلهـم يجـد ريـح المسـك وإن خلـوف فـم الصائـم أطيـب عنـد الله مـن ريـح المسـك. وأمركـم بالصدقـة فـإن مثـل ذلـك كمثـل رجـل أسـره العـدو فشـدوا يديـه إلـى عنقـه وقدمـوه ليضربـوا عنقـه فقـال لهـم هـل لكـم مـن أفتـدي نفسـي منكـم ؟ فجعـل يفتـدي نفسـه منهـم بالقليـل والكثيـر حتـى فـك نفسـه. وأمركـم بذكـر الله كثيـراً وإن مثـل ذلـك كمثـل رجـل طلبـه العـدو سـراعاً فـي أثـره فأتـى حصنـاً حصينـاً فتحصـن فيـه، وإن العبـد أحصـن مـا يكـون مـن الشـيطان إذا كـان فـي ذكـر الله }}.
قـال: وقـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم: {{ وأنـا آمركـم بخمـس، الله أمرنـي بهـن: الجماعـة، والسـمع، والطاعـة، والهجـرة، والجهـاد فـي سـبيل الله. فإنـه مـن خـرج مـن الجماعـة قيد شـبر فقـد خلـع ربقـة الإسـلام مـن عنقـه إلا أن يراجـع، ومـن دعـا بدعـوى جاهليـة فهـو مـن جثـي جهنـم }} ، قالـوا: يـا رسـول الله وإن صـام وصلـى، فقـال: {{ وإن صلـى وصـام وزعـم أنـه مسـلم فادعـوا المسـلمين بأسـمائهم علـى مـا سـماهم الله عـز وجـل المسـلمين المؤمنيـن عبـاد الله }} هـذا حديـث حسـن.
وهـذه الآيـة دالـة علـى توحيـده تعالـى بالعبـادة وحـده، فـإن مـن تأمـل هـذه الموجـودات علـم قـدرة خالقهـا وحكمتـه، وعلمـه وإتقانـه، وعظيـم سـلطانه، كمـا قـال بعـض الأعـراب وقـد سـئل: مـا الدليـل علـى وجـود الـرب تعالـى ؟ فقـال: يـا سـبحان الله إن البعـر يـدل علـى البعيـر، وإن أثـر الأقـدام لتـدل علـى المسـير، فسـماءٌ ذات أبـراج، وأرض ذات فجـاج وبحـار ذات أمـواج ! ألا يـدل ذلـك علـى وجـود اللطيـف الخبيـر ؟

مختصـر ابـن كثيـر/ صفحـة 37 ، 38 ، 39 ، 40 /

يتبـع إن شـاء الله ...
***************************************
نــــور
نــــور
إلى الأمام قدمآ أثابك الله وبارك بك
الوردة القرمزية
أخواتـي...
نـور... المـلاك الصغيـر...
أنـا أسـتمر معكـم وبكـم...
شـكراً لمروركـن الكريـم...
والحمـد لله أن القـراءات فـي هـذا الموضـوع فـي تزايـد...
**********************************
بسـم الله الرحمـن الرحيـم


وإن كنتـم فـي ريـب ممـا نزلنـا علـى عبدنـا فأتـوا بسـورة مـن مثلـه وادعـوا شـهداءكم مـن دون الله إن كنتـم صادقيـن  فـإن لـم تفعلـوا فاتقـوا النـار التـي وقودهـا النـاس والحجـارة أعـدت للكافريـن )) / 24 /

ثـم شـرع تعالـى فـي تقريـر النبـوة بعـد أن قـرر أنـه لا إلـه إلا هـو فقـال مخاطبـاً للكافريـن: (( وإن كنتـم فـي ريـب ممـا نزلنـا علـى عبدنـا )) يعنـي محمـداً صلـى الله عليـه وسـلم، فأتـوا بسـورة مـن مثـل مـا جـاء بـه، إن زعمتـم أنـه مـن عنـد غيـر الله ، فعارضـوه بمثـل مـا جـاء بـه، واسـتعينوا علـى ذلـك بمـن شـئتم مـن دون الله فإنكـم لا تسـتطيعون ذلـك.
قـال ابـن عبـاس (( شـهداءكم )) : أعوانكـم، أي اســتعينوا بآلهتكـم فـي ذلـك يمدونكـم وينصرونكـم، وقـد تحداهـم الله تعالـى بهـذا فـي غيـر موضـع مـن القـرآن فقـال فـي سـورة القصـص: (( قـل فأتـوا بكتـاب مـن عنـد الله هـو أهـدى منهمـا أتبعـه إن كنتـم صادقيـن )) . وقـال فـي سـورة سـبحان: (( قـل لئـن اجتمعـت الإنـس والجـن علـى أن يأتـوا بمثـل هـذا القـرآن لا يأتـون بمثلـه ولـو كـان بعضهـم لبعـض ظهيـراً )) ، وقـال فـي سـورة هـود: (( أم يقولـون افتـراه قـل فأتـوا بعشـر سـور مثلـه مفتريـات وادعـوا مـن اسـتطعتم مـن دون الله إن كنتـم صادقيـن )) . وقـال فـي سـورة يونـس: (( أم يقولـون افتـراه قـل فأتـوا بسـورة مـن مثلـه وادعـوا مـن اسـتطعتم مـن دون الله إن كنتـم صادقيـن )) ، وكـل هـذه الآيـات مكيـة. ثـم تحداهـم بذلـك أيضـاً فـي المدينـة فقـال فـي هـذه الآيـة: (( وإن كنتـم فـي ريـب )) أي شـك (( ممـا نزلنـا علـى عبدنـا )) يعنـي محمـداً صلـى الله عليـه وسـلم (( فأتـوا بسـورة مـن مثلـه )) يعنـي مـن القـرآن قـال مجاهـد وقتـادة. ورجـح ذلـك بوجـوه مـن أحسـنها: أنـه تحداهـم كلهـم متفرقيـن ومجتمعيـن سـواء فـي ذلـك أميّهـم وكتابيّهـم، وذلـك أكمـل فـي التحـدي وأشـمل مـن أن يتحـدى آحادهـم الأمييـن ممـن لا يكتـب ولا يعانـي شـيئاً مـن العلـوم وبدليـل قولـه تعالـى: (( فأتـوا بعشـر سـور مثلـه )) . وقولـه: (( لا يأتـون بمثلـه )) . وقـال بعضهـم: مـن مثـل محمـد صلـى الله عليـه وسـلم يعنـي مـن رجـل أمـي مثلـه، والصحيـح الأول لأن التحـدي عـام لهـم كلهـم مـع أنهـم أفصـح الأمـم، وقـد تحداهـم بهـذا فـي مكـة والمدينـة مـرات عديـدة مـع شـدة عداوتهـم لـه وبغضهـم لدينـه، ومـع هـذا عجـزوا عـن ذلـك ولهـذا قـال تعالـى: (( فـإن لـم تفعلـوا ولـن تفعلـوا )) و ( لـن ) لنفـي التأبيـد فـي المسـتقبل، أي ولـن تفعلـوا ذلـك أبـداً وهـذه أيضـاً معجـزة أخـرى، وهـو أنـه أخبـر خبـراً جازمـاً قاطعـاً غيـر خائـف ولا مشـفق أن هـذا القـرآن لا يعـارض بمثلـه أبـد الآبديـن ودهـر الداهريـن، وكذلـك وقـع الأمـر لـم يعـارض مـن لدنـه إلـى زماننـا هـذا، ولا يمكـن، وأنـى يتأتـى ذلـك لأحـد والقـرآن كـلام الله خالـق كـل شـيء ؟ وكيـف يشـبه كـلام الخالـق كـلام المخلوقيـن ؟
ومـن تدبـر القـرآن وجـد فيـه مـن وجـوه الإعجـاز فنونـاً ظاهـرة وخفيـة، مـن حيـث اللفـظ ومـن جهـة المعنـى قـال تعالـى: (( كتـاب أحكمـت آياتـه ثـم فصلـت مـن لـدن حكيـم خبيـر )) فأحكمـت ألفاظـه، وفصلـت معانيـه، أو بالعكـس علـى الخـلاف، فكـلٌّ مـن لفظـه ومعنـاه فصيـح لا يحـاذى ولا يدانـى. فقـد أخبـر عـن مغيبـات ماضيـة كانـت ووقعـت طبـق مـا أخبـر سـواء بسـواء، وأمـر بكـل خيـر ونهـى عـن كـل شـر كمـا قـال تعالـى: (( وتمـت كلمـة ربـك صدقـاً وعـدلاً )) أي صدقـاً فـي الإخبـار، وعـدلاً فـي الأحكـام، فكلـه حـق وصـدق، وعـدل وهـدى ، ليـس فيـه مجازفـة ولا كـذب ولا افتـراء، كمـا يوجـد فـي الشـعر ( إن أعذبـه أكذبـه ) وتجـد فـي القصيـدة الطويلـة المديـدة قـد اســتعمل غالبهـا فـي وصـف النسـاء أو الخيـل أو الخمـر، أو فـي مـدح شـخص معيـن أو فـرس أو ناقـة أو حـرب، أو شـيء مـن المشـاهدات المتعينـة التـي لا تفيـد شـيئاً، إلا قـدرة المتكلـم المعيـن علـى الشـيء الخفـي أو الدقيـق أو إبـرازه إلـى الشـيء الواضـح، ثـم تجـد لـه فيـه بيتـاً أو بيتيـن أو أكثـر هـي بيـوت القصيـد، وسـائرها هـذر لا طائـل تحتـه.
وأمـا القـرآن فجميعـه فصيـح فـي غايـات نهايـات البلاغـة عنـد مـن يعـرف ذلـك تفصيـلاً وإجمـالاً، ممـن فهـم كـلام العـرب وتصاريـف التعبيـر، فإنـه إن تأملـت أخبـاره وجدتهـا فـي غايـة الحـلاوة سـواء كانـت مبسـوطة أو وجيـزة، وسـواء تكـررت أم لا، وكلمـا تكـرر حـلا وعـلا، لا يخلـق عـن كثـرة الـرد، ولا يمـل منـه العلمـاء. وإن أخـذ فـي الوعيـد والتهديـد جـاء منـه مـا تقشـعر منـه الجبـال الصـم الراسـيات، فمـا ظنـك بالقلـوب الفاهمـات ؟ وإن وعـد أتـى بمـا يفتـح القلـوب والآذان، ويشـوق إلـى دار السـلام ومجـاورة عـرش الرحمـن كمـا قـال فـي الترغيـب : (( فـلا تعلـم نفـس مـا أخفـي لهـم مـن قـرة أعيـن جـزاءً بمـا كانـوا يعملـون )) ، وقـال: (( وفيهـا مـا تشـتهيه الأنفـس وتلـذ الأعيـن وأنتـم فيهـا خالـدون )) ، وقـال فـي الترهيـب : (( أفأمنتـم أن يخسـف بكـم جانـب البـر )) ، (( أأمنتـم مـن فـي السـماء أن يخسـف بكـم الأرض فـإذا هـي تمـور . أم أمنتـم مـن فـي السـماء أن يرسـل عليكـم حاصبـاً فسـتعلمون كيـف نذيـر )) ، وقـال فـي الزجـر : (( فكـلاً أخذنـا بذنبـه )) ، وقـال فـي الوعـظ : (( أفرأيـت إن متعناهـم سـنين ثـم جاءهـم مـا كانـوا يوعـدون مـا أغنـى عنهـم مـا كانـوا يمتعـون )) إلـى غيـر ذلـك مـن أنـواع الفصاحـة والبلاغـة والحـلاوة.
وإن جـاءت الآيـات فـي الأحكـام والأوامـر والنواهـي اشـتملت علـى الأمـر بكـل معـروف حسـن نافـع طيـب محبـوب، والنهـي عـن كـل قبيـح رذيـل دنـيء، كمـا قـال ابـن مسـعود وغيـره مـن السـلف: إذا سـمعت الله تعالـى يقـول فـي القـرآن : يا أيهـا الذيـن آمنـوا فأرعهـا سـمعك فإنهـا خيـر يأمـر بـه أو شـر ينهـى عنـه، ولهـذا قـال تعالـى: (( يأمرهـم بالمعـروف وينهاهـم عـن المنكـر ويحـل لهـم الطيبـات ويحـرم عليهـم الخبائـث ويضـع عنهـم إصرهـم والأغـلال التـي كانـت عليهـم )) الآيـة.
وإن جـاءت الآيـات فـي وصـف المعـاد ومـا فيـه مـن الأهـوال وفـي وصـف الجنـة والنـار ومـا أعـد الله فيهمـا لأوليائـه وأعدائـه مـن النعيـم والجحيـم، والمـلاذ والعـذاب الأليـم، بشـرت بـه وحـذرت وأنـذرت، ودعـت إلـى فعـل الخيـرات واجتنـاب المنكـرات، وزهـدت فـي الدنيـا ورغبـت فـي الآخـرة، وثبتـت علـى الطريقـة المثلـى، وهـدت إلـى صـراط الله المسـتقيم، وشـرعه القويـم، ونفـت عـن القلـوب رجـس الشـيطان الرجيـم. ولهـذا قـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم: {{ مـا مـن نبـي مـن الأنبيـاء إلا وقـد أعطـي مـن الآيـات مـا آمـن علـى مثلـه البشـر، وإنمـا كـان الـذي أوتيتـه وحيـاً أوحـاه الله إلـي، فأرجـو أن أكـون أكثرهـم تابعـاً يـوم القيامـة }} ، وقولـه صلـى الله عليـه وسـلم: {{ وإنمـا كـان الـذي أوتيتـه وحيـاً }} أي الـذي اختصصـت بـه مـن بينهـم هـذا القـرآن المعجـز للبشـر أن يعارضـوه، بخـلاف غيـره مـن الكتـب الإلهيـة فإنهـا ليسـت معجـزة عنـد كثيـر مـن العلمـاء والله أعلـم. ولـه عليـه الصـلاة والسـلام مـن الآيـات الدالـة علـى نبوتـه وصدقـه فيمـا جـاء بـه مـا لا يدخـل تحـت حصـر، ولله الحمـد والمنـة.
وقولـه تعالـى: (( فاتقـوا النـار التـي وقودهـا النـاس والحجـارة أعـدت للكافريـن )) أمـا الوقـود فهـو مـا يلقـى فـي النـار لإضرامهـا كالحطـب ونحـوه كمـا قـال تعالـى: (( وأمـا القاسـطون فكانـوا لجهنـم حطبـاً )) ، وقـال تعالـى: (( إنكـم ومـا تعبـدون مـن دون الله حصـب جهنـم أنتـم لهـا واردون )) والمـراد بالحجـارة ههنـا الكبريـت، العظيمـة السـوداء الصلبـة المنتنـة، وهـي أشـد الأحجـار حـراً إذا حميـت أجـارنـا الله منهـا.
وقـال السـدي فـي تفسـيره عـن ابـن مسـعود (( فاتقـوا النـار التـي وقودهـا النـاس والحجـارة )) : أمـا الحجـارة فهـي حجـارة فـي النـار مـن كبريـت أسـود يعذبـون بـه مـع النـار.
وقـال مجاهـد: حجـارة مـن كبريـت أنتـن مـن الجيفـة.
وقيـل: المـراد بهـا حجـارة الأصنـام والأنـداد التـي كانـت تعبـد مـن دون الله كمـا قـال تعالـى: (( إنكـم ومـا تعبـدون مـن دون الله حصـب جهنـم )) الآيـة.
وإنمـا سـيق هـذا فـي حـر هـذه النـار التـي وعـدوا بهـا وشـدة ضرامهـا وقـوة لهبهـا كمـا قـال تعالـى: (( كلمـا خبـت زدناهـم سـعيراً )) وهكـذا رجـح القرطبـي أن المـراد بهـا الحجـارة التـي تسـعر بهـا النـار لتحمـر ويشـتد لهبهـا، قـال: ليكـون ذلـك أشـد عذابـاً لأهلهـا.
وقولـه تعالـى: (( أعـدت للكافريـن )) الأظهـر أن الضميـر عائـد إلـى النـار ويحتمـل عـوده إلـى الحجـارة كمـا قـال ابـن مسـعود، ولا منافـاة بيـن القوليـن فـي المعنـى لأنهمـا متلازمـان. و (( أعـدت )) أي أرصـدت وحصلـت للكافريـن بالله ورسـوله، وقـد اسـتدل كثيـر مـن أئمـة السـنة بهـذه الآيـة علـى أن النـار موجـودة الآن لقولـه تعالـى: (( أعـدت )) أي أرصـدت وهيئـت، وقـد وردت أحاديـث كثيـرة فـي ذلـك منهـا: {{ تحاجـت الجنـة والنـار }} ، ومنهـا: {{ اسـتأذنـت النـار ربهـا فقالـت رب أكـل بعضـي بعضـاً فـأذن لـي بنفسـين: نفـس فـي الشـتاء ونفـس فـي الصيـف )).
وحديـث ابـن مسـعود: سـمعنا وجبـة فقلنـا مـا هـذه ؟ فقـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم: {{ هـذا حجـر ألقـي بـه مـن شـفير جهنـم منـذ سـبعين سـنة الآن وصـل إلـى قعرهـا }}. وهـو مسـند عنـد مسـلم، وحديـث صـلاة الكسـوف وليلـة الإسـراء وغيـر ذلـك مـن الأحاديـث المتواتـرة فـي هـذا المعنـى وقـد خالفـت المعتزلـة بجهلهـم فـي هـذا، ووافقهـم القاضـي منـذر بـن سـعيد البلوطـي قاضـي الأندلـس.

""" تنبيـه ينبغـي الوقـوف عليـه """

قولـه تعالـى: (( فأتـوا بسـورة مـن مثلـه )) وقولـه فـي سـورة يونـس: (( بسـورة مـن مثلـه )) يعـم كـل سـورة مـن القـرآن، طويلـة كانـت أن قصيـرة، لأنهـا نكـران فـي سـياق الشـرط فتعـم كمـا هـي فـي سـياق النفـي عنـد المحققيـن مـن الأصولييـن كمـا هـو مقـرر فـي موضعـه، فالإعجـاز حاصـل فـي طـوال السـور وقصارهـا، وهـذا مـا لا أعلـم فيـه نزاعـاً بيـن النـاس سـلفاً وخلفـاً.
وقـد قـال الـرازي فـي تفسـيره: فـإن قيـل قولـه تعالـى: (( فأتـوا بسـورة مـن مثلـه )) يتنـاول سـورة الكوثـر، وسـورة العصـر، وقـل يـا أيهـا الكافـرون، ونحـن نعلـم بالضـرورة أن الإتيـان بمثلـه أو بمـا يقـرب منـه ممكـن، فـإن قلتـم إن الإتيـان بمثـل هـذه السـور خـارج عـن مقـدور البشـر كـان مكابـرة، والإقـدام علـى هـذه المكابـرات ممـا يطـرق بتهمـة إلـى الديـن.
( قلنـا ) فلهـذا السـبب اخترنـا الطريـق الثانـي، وقلنـا: إن بلغـت هـذه السـور فـي الفصاحـة حـد الإعجـاز فقـد حصـل المقصـود، وإن لـم يكـن كذلـك كـان امتناعهـم مـن المعارضـة مـع شـدة دواعيهـم إلـى تهويـن أمـره معجـزاً، فعلـى التقديريـن يحصـل المعجـز. هـذا لفـظ بحروفـه، والصـواب أن كـل سـورة مـن القـرآن معجـزة لا يسـتطيع البشـر معارضتهـا طويلـة كانـت أو قصيـر.
قـال الشـافعي رحمـه الله : لـو تدبـر النـاس هـذه السـور لكفتهـم: (( والعصـر . إن الإنسـان لفـي خسـر . إلا الذيـن آمنـوا وعملـوا الصالحـات وتواصـوا بالحـق وتواصـوا بالصبـر)).

مختصـر ابـن كثيـر/ صفحـة 41 ، 42 ، 43 ، 44 /

يتبـع إن شـاء الله ...
**************************************