الوردة القرمزية
أخواتـي...
عـذراً للانقطـاع...
مشـاكل فنيـة إن شـاء لا تتكـرر...
نتابـع... بسـم الله...
**********************
بسـم الله الرحمـن الرحيـم


(( وبشـر الذيـن آمنـوا وعملـوا الصالحـات أن لهـم جنـات تجـري مـن تحتهـا الأنهـار كلمـا رزقـوا منهـا مـن ثمـرة رزقـاً قالـوا هـذا الـذي رزقنـا مـن قبـل وأتـوا بـه متشـابهاً ولهـم فيهـا أزواج مطهـرة وهـم فيهـا خالـدون )) / 25 /

لمـا ذكـر الله تعالـى مـا أعـده الله لأعدائـه مـن الأشـقياء الكافريـن بـه وبرسـله مـن العـذاب والنكـال، عطـف بذكـر حـال أوليائـه مـن السـعداء المؤمنيـن بـه وبرسـله الذيـن صدقـوا إيمانهـم بأعمالهـم الصالحـة، وهـذا معنـى تسـمية القـرآن مثانـي علـى أصـح أقـوال العلمـاء كمـا سـنبسـطه فـي موضوعـه، وهـو أن يذكـر الإيمـان ويتبـع بذكـر الكفـر أو عكسـه، أو حـال السـعداء ثـم الأشـقياء أو عكسـه، وحاصلـه ذكـر الشـيء ومقابلـه.
وأمـا ذكـر الشـيء ونظيـره فـذاك التشـابه كمـا سـنوضحه إن شـاء الله. فلهـذا قـال تعالـى: (( وبشـر الذيـن آمنـوا وعملـوا الصالحـات أن لهـم جنـات تجـري مـن تحتهـا الأنهـار )) ، فوصفهـا بأنهـا تجـري مـن تحتهـا الأنهـار أي مـن تحـت أشـجارها وغرفهـا، وقـد جـاء فـي الحديـث أن أنهارهـا تجـري فـي غيـر أخـدود.
وقولـه تعالـى: (( كلمـا رزقـوا منهـا مـن ثمـرة رزقـاً قالـوا هـذا الـذي رزقنـا مـن قبـل )) قـال السـدي فـي تفسـيره: إنهـم أتـوا بالثمـرة مـن الجنـة فلمـا نظـروا إليهـا قالـوا: هـذا الـذي رزقنـا فـي الدنيـا.
وقـال عكرمـة: (( قالـوا هـذا الـذي رزقنـا مـن قبـل )) معنـاه مثـل الـذي كـان بالأمـس.
وقـال آخـرون: (( هـذا الـذي رزقنـا مـن قبـل )) مـن ثمـار الجنـة لشـدة مشـابهة بعضـه بعضـاً لقولـه تعالـى: (( وأتـوا بـه متشـابهاً )) .
وعـن يحيـى بـن أبـي كثيـر قـال: يؤتـى أحدهـم بالصحفـة مـن الشـيء فيأكـل منهـا، ثـم يؤتـى بأخـرى فيقـول هـذا الـذي أتيتنـا بـه مـن قبـل، فتقـول الملائكـة: كُـلْ فاللـون واحـد، والطعـم مختلـف.
وقـال ابـن جريـر بإسـناده فـي قولـه تعالـى: (( وأتـوا بـه متشـابهاً )) يعنـي فـي اللـون والمـرأى وليـس يشـتبه فـي الطعـم. وهـذا اختيـار ابـن جريـر.
وقـال عكرمـة (( وأتـوا بـه متشـابهاً )) قـال: يشـبه ثمـر الدنيـا غيـر أن ثمـر الجنـة أطيـب. وعـن ابـن عبـاس { لا يشـتبه شـيء ممـا فـي الجنـة مـا فـي الدنيـا إلا فـي الأسـماء } وفـي روايـة { ليـس فـي الدنيـا ممـا فـي الجنـة إلا الأسـماء }.

وقولـه تعالـى: (( ولهـم فيهـا أزواج مطهـرة )).
قـال ابـن عبـاس: مطهـرة مـن القـذر والأذى.
وقـال مجاهـد: مـن الحيـض والغائـط والبـول والنخـام والبـزاق والمنـي والولـد.
وقـال قتـادة: مطهـرة مـن الأذى والمأثـم.
وعـن أبـي سـعيد عـن النبـي صلـى الله عليـه وسـلم فـي قولـه تعالـى: (( ولهـم فيهـا أزواج مطهـرة )) قـال: مـن الحيـض والغائـط والنخاعـة والبـزاق.

وقولـه تعالـى: (( وهـم فيهـا خالـدون )) هـذا هـو تمـام السـعادة، فإنهـم مـع هـذا النعيـم فـي مقـام أميـن، مـن المـوت والانقطـاع فـلا آخـر لـه، ولا انقضـاء بـل نعيـم سـرمدي أبـدي علـى الـدوام... والله المسـؤول أن يحشـرنا فـي زمرتهـم إنـه جـواد كريـم، بـر رحيـم.

(( إن الله لا يسـتحيي أن يضـرب مثـلاً مـا بعوضـةً فمـا فوقهـا فأمـا الذيـن آمنـوا فيعلمـون أنـه الحـق مـن ربهـم وأمـا الذيـن كفـروا فيقولـون مـاذا أراد الله بهـذا مثـلاً يضـل بـه كثيـراً ويهـدي بـه كثيـراً ومـا يضـل بـه إلا الفاسـقين  الذيـن ينقضـون عهـد الله مـن بعـد ميثاقـه ويقطعـون مـا أمـر الله بـه أن يوصـل ويفسـدون فـي الأرض أولئـك هـم الخاسـرون )) / 27 /

قـال السـدي: لمـا ضـرب الله هذيـن المثليـن للمنافقيـن يعنـي قولـه تعالـى: (( مثلهـم كمثـل الـذي اسـتوقد نـاراً )) ، وقولـه: (( أو كصيـب مـن السـماء )) الآيـات الثـلاث، قـال المنافقـون: الله أعلـى وأجـل مـن أن يضـرب هـذه الأمثـال، فأنـزل الله هـذه الآيـة إلـى قولـه تعالـى: (( وهـم الخاسـرون )) .
وقـال قتـادة: لمـاذكـر الله تعالـى العنكبـوت والذبـاب قـال المشـركون: مـا بـال العنكبـوت والذبـاب يذكـران ؟ فأنـزل الله: (( إن الله لا يسـتحيي أن يضـرب مثـلاً مـا بعوضـةً فمـا فوقهـا )) أي إن الله لا يسـتحيي مـن الحـق أن يذكـر شـيئاً ممـا قـل أو كثـر، وإن الله حيـن ذكـر فـي كتابـه الذبـاب والعنكبـوت قـال أهـل الضلالـة: مـا أراد الله مـن ذكـر هـذا ؟ فأنـزل الله : (( إن الله لا يسـتحيي أن يضـرب مثـلاً مـا بعوضـة فمـا فوقهـا )) .
ومعنـى الآيـة أنـه تعالـى أخبـر أنـه لا يسـتحيي أي لا يسـتنكف، وقيـل: لا يخشـى أن يضـرب مثـلاً مـا، أيَّ مثـلٍ كـان بـأي شـيء كـان صغيـراً أو كبيـراً و ( مـا ) هنـا للتقليـل، وتكـون بعوضـة منصوبـة علـى البـدل، كمـا تقـول: لأضربـنًّ ضربـاً مـا، فيصـدق بأدنـى شـيء أو تكـون ( مـا ) نكـرة موصوفـة ببعوضـة، ويجـوز أن تكـون بعوضـة منصوبـة بحـذف الجـار، وتقديـر الكـلام: { إن الله لا بسـتحيي أن يضـرب مثـلاً مـا بيـن بعوضـة إلـى مـا فوقهـا } وهـذا الـذي اختـاره الكسـائي والفـراء.
وقولـه تعالـى: (( فمـا فوقهـا )) فيـه قـولان: أحدهمـا: فمـا دونهـا فـي الصغـر والحقـارة، كمـا إذا وصـف رجـل باللـؤم والشـح فيقـول السـامع نعـم وهـو فـوق ذلـك _ يعنـي فيمـا وصفـت _ وهـذا قـول أكثـر المحققيـن.
وفـي الحديـث: {{ لـو أن الدنيـا تـزن عنـد الله جنـاح بعوضـة لمـا سـقى كافـراً منهـا شـربة مـاء }} .
والثانـي: فمـا فوقهـا لمـا هـو أكبـر منهـا لأنـه ليـس شـيء أحقـر ولا أصغـر مـن البعوضـة وهـذا قـول قتـادة بـن دعامـة واختيـار ابـن جريـر فإنـه يؤيـده مـا رواه مسـلم عـن عائشـة رضـي الله عنهـا أن رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم قـال: {{ مـا مـن مسـلم يشـاك شـوكة فمـا فوقهـا إلا كتـب لـه بهـا درجـة ومحيـت عنـه بهـا خطيئـة }} . فأخبـر أنـه لا يسـتصغر شـيئاً يضـرب بـه مثـلاً ولـو كـان فـي الحقـارة والصغـر كالبعوضـة، فكمـا لا يسـتنكف عـن خلقهـا كذلـك لا يسـتنكف مـن ضـرب المثـل بهـا، كمـا ضـرب المثـل بالذبـاب والعنكبـوت فـي قولـه: (( إن الذيـن تدعـون مـن دون الله لـن يخلقـوا ذبابـاً ولـو اجتمعـوا لـه وإن يسـلبهم الذبـاب شـيئاً لا يسـتنقذوه منـه ضعـف الطالـب والمطلـوب )).
وقـال: (( مثـل الذيـن اتخـذوا مـن دون الله أوليـاء كمثـل العنكبـوت اتخـذت بيتـاً وإنَّ أوهـن البيـوت لبيـت العنكبـوت لـو كانـوا يعلمـون )) .
وقـال تعالـى: (( ضـرب الله مثـلاً عبـداً مملوكـاً لا يقـدر علـى شـيء )) الآيـة.
ثـم قـال: (( وضـرب الله مثـلاً رجليـن أحدهمـا أبكـم لا يقـدر علـى شـيء وهـو كَـلٌّ علـى مـولاه أينمـا يوجهـه لا يـأت بخيـر هـل يسـتوي هـو ومـن يأمـر بالعـدل )) ؟ الآيـة.
وقـال: (( وتلـك الأمثـال نضربهـا للنـاس ومـا يعقلهـا إلا العالمـون )) وفـي القـرآن أمثـال كثيـرة.
قـال بعـض السـلف: إذا سـمعت المثـل فـي القـرآن فلـم أفهمـه بكيـت علـى نفسـي لأن الله قـال: (( وتلـك الأمثـال نضربهـا للنـاس ومـا يعقلهـا إلا العالمـون )) .
قـال قتـادة: (( فأمـا الذيـن آمنـوا فيعلمـون أنـه الحـق مـن ربهـم )) أي يعلمـون أنـه كـلام الرحمـن وأنـه مـن عنـد الله.
وقـال أبـو العاليـة: (( فأمـا الذيـن آمنـوا فيعلمـون أنـه الحـق مـن ربهـم )) يعنـي هـذا المثـل، (( وأمـا الذيـن كفـروا فيقولـون مـاذا أراد الله بهـذا مثـلاً )) .
كمـا قـال تعالـى: (( ولا يرتـاب الذيـن أوتـوا الكتـاب والمؤمنـون وليقـول الذيـن فـي قلوبهـم مـرض والكافـرون مـاذا أراد الله بهـذا مثـلاً . كذلـك يضـل الله مـن يشـاء ويهـدي مـن يشـاء ومـا يعلـم جنـود ربـك إلا هـو )) .
وكذلـك قـال ههنـا: (( يضـل بـه كثيـراً ويهـدي بـه كثيـراً ومـا يضـل بـه إلا الفاسـقين )) .
قـال ابـن عبـاس: يضـل بـه كثيـراً يعنـي بـه ( المنافقيـن ) ، ويهـدي بـه كثيـراً يعنـي بـه ( المؤمنيـن ) فيزيـد هـؤلاء ضلالـة إلـى ضلالتهـم، لتكذيبهـم بمـا قـد علمـوه حقـاً يقينـاً مـن المثـل الـذي ضربـه الله ، ويهـدي بـه، يعنـي المثـل، كثيـراً مـن أهـل الإيمـان والتصديـق فيزيدهـم هـدى إلـى هداهـم وإيمانـاً إلـى إيمانهـم.
(( ومـا يضـل بـه إلا الفاسـقين )) ، قـال أبـو العاليـة: هـم أهـل النفـاق.
وقـال مجاهـد عـن ابـن عبـاس (( ومـا يضـل بـه إلا الفاسـقين )) قـال: يعرفـه الكافـرون فيكفـرون بـه.
وقـال قتـادة: (( ومـا يضـل بـه إلا الفاسـقين )) فسـقوا فأضلهـم الله علـى فسـقهم.
والفاسـق فـي اللغـة: هـو الخـارج عـن الطاعـة.
تقـول العـرب: فسـقت الرطبـة إذا خرجـت مـن قشـرتها، ولهـذا يقـال للفـأرة ( فويسـقة ) لخروجهـا عـن جحرهـا للفسـاد.
وثبـت فـي الصحيحيـن عـن عائشـة أن رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم قـال: {{ خمـس فواسـق يقتلـن فـي الحـل والحـرم: الغـراب والحـدأة والعقـرب والفـأرة والكلـب العقـور }} .
فالفاسـق يشـمل الكافـر والعاصـي، ولكـن فسـق الكافـر أشـد وافحـش، والمـراد مـن الآيـة الفاسـق والكافـر والله أعلـم، بدليـل أنـه وصفهـم بقولـه تعالـى: (( الذيـن ينقضـون عهـد الله مـن بعـد ميثاقـه ويقطعـون مـا أمـر الله بـه أن يوصـل ويفسـدون فـي الأرض أولئـك هـم الخاسـرون )) ، وهـذه الصفـات صفـات الكافـر المباينـة لصفـات المؤمنيـن.
كمـا قـال تعالـى: (( أفمـن يعلـم أنمـا أنـزل إليـك مـن ربـك الحـق كمـن هـو أعمـى إنمـا يتذكـر أولـوا الألبـاب . الذيـن يوفـون بعهـد الله ولا ينقضـون الميثـاق )) الآيـات، إلـى أن قـال: (( والذيـن ينقضـون عهـد الله مـن بعـد ميثاقـه ويقطعـون مـا أمـر الله بـه أن يوصـل ويفسـدون فـي الأرض أولئـك لهـم اللعنـة ولهـم سـوء الـدار )) .
وقـد اختلـف أهـل التفسـير فـي معنـى العهـد الـذي وصـف هـؤلاء الفاسـقين بنقضـه، فقـال بعضهـم: هـو وصيـة الله إلـى خلقـه وأمـره إياهـم بمـا أمرهـم بـه مـن طاعتـه، ونهيـه إياهـم عمـا نهاهـم عنـه مـن معصيتـه فـي كتبـه وعلـى لسـان رسـله، ونقضهـم ذلـك هـو تركهـم العمـل بـه.
وقـال آخـرون: بـل هـي فـي كفـار أهـل الكتـاب والمنافقيـن منهـم، وعهـد الله الـذي نقضـوه هـو مـا أخـذه الله عليهـم فـي التـوراة مـن العمـل بمـا فيهـا واتبـاع محمـد صلـى الله عليـه وسلـم إذا بعـث، والتصديـق بـه وبمـا جـاء بـه مـن عنـد ربهـم، ونقضهـم ذلـك هـو جحودهـم بـه بعـد معرفتهـم بحقيقتـه وإنكارهـم ذلـك، وكتمانهـم علـم ذلـك عـن النـاس، وهـو اختيـار ابـن جريـر رحمـه الله وهـو قـول مقاتـل بـن حيـان.
وقـال آخـرون: بـل عنـى بهـذه الآيـة جميـع أهـل الكفـر والشـرك والنفـاق، وعهـده إلـى جميهـم فـي توحيـده مـا وضـع لهـم مـن الأدلـةعلـى ربوبيتـه، وعهـده إليهـم فـي أمـره ونهيـه مـا احتـج بـه لرسـله مـن المعجـزات التـي لا يقـدر أحـد مـن النـاس غيرهـم أن يأتـي بمثلـه، الشـاهد لهـم علـى صدقهـم. قالـوا: ونقضهـم ذلـك تركهـم الإقـرار بمـا قـد تبينـت لهـم صحتـه بالأدلـة وتكذيبهـم الرسـل والكتـب مـع علمهـم أن مـا أتـوا بـه حـق.
وروي عـن مقاتـل بـن حيـان أيضـاً نحـو هـذا وهـو حسـن وإليـه مـال الزمخشـري. فإنـه قـال: ( فـان قلـت ) فمـا المـراد بعهـد الله ؟ قلـت مـا ركـز فـي عقولهـم مـن الحجـة علـى التوحيـد كأنـه أمـر وصاهـم بـه ووثقـه عليهـم، وهـو معنـى قولـه تعالـى: (( وأشـهدهم علـى أنفسـهم ألسـت بربكـم قالـوا بلـى )) ، إذ أخـذ الميثـاق عليهـم مـن الكتـب المنزلـة عليهـم كقولـه: (( وأوفـوا بعهـدي أوفِ بعهدكـم )) .
وقـال آخـرون: العهـد الـذي ذكـره تعالـى هـو العهـد الـذي أخـذه عليهـم حيـن أخرجهـم مـن صلـب آدم الـذي وصـف فـي قولـه: (( وإذ أخـذ ربـك مـن بنـي آدم مـن ظهورهـم ذريتهـم وأشـهدهم علـى أنفسـهم ألسـت بربكـم قالـوا بلـى شـهدنا )) الآيتيـن.
ونقضهـم ذلـك تركهـم الوفـاء بـه، وهكـذا روي عـن مقاتـل بـن حيـان أيضـاً، حكـى هـذه الأقـوال ابـن جريـر فـي تفسـيره.
وقـال السـدي فـي تفسـيره بإسـناده قولـه تعالـى: (( الذيـن ينقضـون عهـد الله مـن بعـد ميثاقـه )) قـال: مـا عهـد إليهـم فـي القـرآن فأقـروا بـه ثـم كفـروا فنقضـوه.
وقولـه: (( ويقطعـون مـا أمـر الله بـه أن يوصـل )) قيـل: المـراد بـه صلـة الأرحـام والقرابـات كمـا فسـره قتـادة، كقولـه تعالـى: (( فهـل عسـيتم إن توليتـم إن تفسـدوا فـي الأرض وتقطعـوا أرحامكـم )) . ورجحـه ابـن جريـر.
وقيـل: المـراد أعـم مـن ذلـك، فكـل مـا أمـر الله بوصلـه وفعلـه قطعـوه وتركـوه.
وقـال مقاتـل: (( أولئـك هـم الخاسـرون )) قـال فـي الآخـرة، وهـذا كمـا قـال تعالـى: (( أولئـك لهـم اللعنـة ولهـم سـوء الـدار )) .
وقـال ابـن عبـاس: كـل شـيء نسـبه الله إلـى غيـر الإسـلام مـن اسـم، مثـل خاسـر، فإنمـا يعنـي بـه الكفـر. ومـا نسـبه إلـى أهـل الإسـلام فإنمـا يعنـي بـه الذنـب.
وقـال ابـن جريـر فـي قولـه تعالـى (( أولئـك هـم الخاسـرون )) : الخاسـرون جمـع خاسـر وهـم الناقصـون أنفسـهم حظوظهـم بمعصيتهـم الله مـن رحمتـه كمـا يخسـر الرجـل فـي تجارتـه، بـأن يوضـع مـن رأس مالـه فـي بيعـه، وكذلـك المنافـق والكافـر خسـر بحرمـان الله إيـاه رحمتـه التـي خلقهـا لعبـاده فـي القيامـة مـا كانـوا إلـى رحمتـه.

مختصـر تفسـير ابـن كثيـر / الصفحـة 44 ، 45 ، 46 ، 47 /

يتبـع إن شـاء الله...
*************************
نــــور
نــــور
مجهود تشكرين عليه حقآ

أثابك الله وجعلك ذخرآ لهذا الدين
الوردة القرمزية
اللهـم آميـن ... اللهـم آميـن ... اللهـم آميـن ...

**********************
أختـي الغاليـة نـور...
لـو تدريـن كـم أنـا سـعيدة بمتابعـتـك لـي ...
جعلنـا الله جميعـاً فـداءً لهـذا الديـن ...
*************************
بسـم الله الرحمـن الرحيـم


(( كيـف تكفـرون بالله وكنتـم أمواتـاً فأحياكـم ثـم يميتكـم ثـم يحييكـم ثـم إليـه ترجعـون )) / 28 /

يقـول تعالـى محتجـاً علـى وجـوده وقدرتـه وأنـه الخالـق المتصـرف فـي عبـاده: (( كيـف تكفـرون بالله )) أي كيـف تجحـدون وجـوده أو تعبـدون معـه غيـره، (( وكنتـم أمواتـاً فأحياكـم )) أي وقـد كنتـم عدمـاً فأخرجكـم إلـى الوجـود. كمـا قـال تعالـى: (( أم خلقـوا مـن غيـر شـيء أم هـم الخالقـون . أم خلقـوا السـموات والأرض بـل لا يوقنـون )) .
وقـال ابـن عبـاس (( كنتـم أمواتـاً فأحياكـم )) : أمواتـاً فـي أصـلاب آبائكـم لـم تكونـوا شـيئاً حتـى خلقكـم، ثـم يميتكـم موتـة حـق ثـم يحييكـم حيـن يبعثكـم، قـال: وهـي مثـل قولـه تعالـى: (( أمتنـا اثنتيـن واحييتنـا اثنتيـن )) .
وقـال الضحـاك ابـن عبـاس فـي قولـه تعالـى (( ربنـا أمتنـا اثنتيـن وأحييتنـا اثنتيـن )) قـال: كنتـم ترابـاً قبـل أن يخلقكـم فهـذه ميتـة، ثـم أحياكـم فخلقكـم فهـذه حيـاة، ثـم يميتكـم فترجعـون إلـى القبـور فهـذه ميتـة أخـرى، ثـم يبعثكـم يـوم القيامـة فـهذ حيـاة أخـرى: فهـذه ميتتـان وحياتـان، فهـو كقولـه: (( كيـف تكفـرون بالله وكنتـم أمواتـاً فأحياكـم ثـم يميتكـم ثـم يحييكـم )) .

(( هـو الـذي خلـق لكـم مـا فـي الأرض جميعـاً ثـم اسـتوى إلـى السـماء فسـوّاهن سـبع سـمواتٍ وهـو بكـل شـيءٍ عليـمٌ )) / 29 /

لمـا ذكـر تعالـى دلالـة مـن خلقهـم ومـا يشـاهدونه مـن أنفسـهم، ذكـر دليـلاً آخـر ممـا يشـاهدونه مـن خلـق السـماوات والأرض، فقـال: (( هـو الـذي خلـق لكـم مـا فـي الأرض جميعـاً ثـم اسـتوى إلـى السـماء فسـوّاهن سـبع سـمواتٍ )) أي قصـد إلـى السـماء.
والاسـتواء ههنـا متضمـن معنـى القصـد والإقبـال لأنـه عـدي بـ إلـى ( فسـواهن ) أي فخلـق السـماء سـبعاً. والسـماء ههنـا اسـم جنـس، فلهـذا قـال: (( فسـواهن سـبع سـموات وهـو بكـل شـيء عليـم )) أي وعلمـه محيـط بجميـع مـا خلـق، كمـا قـال: (( ألا يعلـم مـن خلـق )) وتفصيـل هـذه الآيـة فـي سـورة حـم ( السـجدة ) وهـو قولـه تعالـى: (( قـل أئنكـم لتكفـرون بالـذي خلـق الأرض فـي يوميـن وتجعلـون لـه أنـداداً ذلـك رب العالميـن )) الآيـات.
ففـي هـذا دلالـة علـى أنـه تعالـى ابتـدأ بخلـق الأرض أولاً ثـم خلـق السمـاوات سـبعاً، وهـذا شـأن البنـاء أن يبـدأ بعمـارة أسـافله ثـم أعاليـه بعـد ذلـك وقـد صـرح المفسـرون بذلـك كمـا سـنذكره، فأمـا قولـه تعالـى: (( أأنتـم أشـدُّ خلقـاً أم السـماء بناهـا . رفـع سـمكها فسـواها . وأغـطـش ليلهـا وأخـرج ضحاهـا . والأرض بعـد ذلـك دحاهـا )) فقـد قيـل: إن ( ثـم ) ههنـا إنمـا هـي لعـطـف الخبـر علـى الخبـر لا لعطـف الفعـل علـى الفعـل.
وقيـل: إن الدحـي كـان بعـد خلـق السـماوات والأرض رواه علـي بـن أبـي طلحـة عـن ابـن عبـاس.
وقـال مجتهـد فـي قولـه تعالـى: (( هـو الـذي خلـق لكـم مـا فـي الأرض جميعـاً )) قـال: خلـق الله الأرض قبـل السـماء، فلمـا خلـق الأرض ثـار منهـا دخـان، فذلـك حيـن يقـول: (( ثـم اسـتوى إلـى السـماء فهـي دخـان فسـوَّاهن سـبع سـموات )) قـال: بعضهـن فـوق بعـض، وسـبع أرضيـن يعنـي بعضهـا تحـت بعـض. وهـذه الآيـة دالـة علـى أن الأرض خلقـت قبـل السـماء، وهـذا مـا لا أعلـم فيـه نزاعـاً بيـن العلمـاء إلا مـا نقلـه جريـر عـن قتـادة أنـه زعـم أن السـماء خلقـت قبـل الأرض، وقـد توقـف فـي ذلـك القرطبـي فـي تفسـيره لقولـه تعالـى: (( والأرض بعـد ذلـك دحاهـا . أخـرج منهـا ماءهـا ومرعاهـا . والجبـال أرسـاها )) قالـوا فذكـر خلـق السـماء قبـل الأرض.
وفـي صحيـح البخـاري أن ابـن عبـاس سـئل عـن هـذا بعينـه فأجـاب بـأن الأرض خلقـت قبـل السـماء، وأن الأرض إنمـا دحيـت بعـد خلـق السـماء، وكذلـك أجـاب غيـر واحـد مـن علمـاء التفسـير قديمـاً وحديثـاً، وقـد حررنـا ذلـك فـي سـورة النازعـات.
وحاصـل ذلـك أن الدحـي مفسـر بقولـه تعالـى: (( أخـرج منهـا ماءهـا ومرعاهـا . والجبـال أرسـاها )) ففسـر الدحـي بإخـراج مـا كـان مودعـاً فيهـا بالقـوة إلـى الفعـل لمـا أكملـت صـورة المخلوقـات الأرضيـة ثـم السـماوية، دحـى بعـد ذلـك الأرض فأخرجـت مـا كـان مودعـاً فيهـا مـن الميـاه، فنبتـت النباتـات علـى اختـلاف أصنافهـا وصفاتهـا وألوانهـا وأشـكالها، وكذلـك جـرت هـذه الأفـلاك فـدارت بمـا فيهـا مـن الكواكـب الثوابـت والسـيارة والله سـبحانه وتعالـى أعلـم.

(( وإذ قـال ربـك للملائكـة إنـي جاعـلٌ فـي الأرض خليفـةً قالـوا أتجعـل فيهـا مـن يفسـد فيهـا ويسـفك الدمـاء ونحـن نسـبح بحمـدك ونقـدس لـك قـال إنـي أعلـم مـا لا تعلمـون )) / 30 /

يخبـر تعالـى بامتنانـه علـى بنـي آدم بتنويهـه بذكرهـم فـي المـلأ الأعلـى قبـل إيجادهـم بقولـه: (( وإذ قـال ربـك للملائكـة )) أي واذكـر يـا محمـد إذ قـال ربـك للملائكـة واقصـص علـى قومـك ذلـك، (( إنـي جاعـل فـي الأرض خليفـة )) أي قومـاً يخلـف بعضهـم بعضـاً قرنـاً بعـد قـرن، وجيـلاً بعـد جيـل، كمـا قـال تعالـى: (( هـو الـذي جعلكـم خلائـف فـي الأرض )) ، وقـال: (( ويجعلكـم خلفـاء فـي الأرض )) ، وقـال: (( ولـو نشـاء لجعلنـا منكـم ملائكـة فـي الأرض يخلفـون )) .
وليـس المـراد ههنـا بالخليفـة آدم عليـه السـلام فقـط كمـا يقولـه طائفـة مـن المفسـرين ، إذ لـو كـان ذلـك لمـا حسـن قـول الملائكـة: (( أتجعـل فيهـا مـن يفسـد فيهـا ويسـفك الدمـاء )) ، فإنهـم أرادوا مـن هـذا الجنـس مـن يفعـل ذلـك، وكأنهـم علمـوا ذلـك بعلـم خـاص، أم بمـا فهمـوه مـن طبيعـة البشـرية، فإنـه أخبرهـم أنـه يخلـق هـذا الصنـف مـن ((صلصـال مـن حمـإ مسـنون )) ، أو فهمـوه مـن الخليفـة أنـه يفصـل بيـن النـاس مـا يقـع بينهـم مـن المظالـم ويردعهـم عـن المحـارم والمآثـم ( قالـه القرطبـي ) . أو أنهـم قاسـوا علـى مـن سـبق كمـا سـنذكر أقـوال المفسـرين فـي ذلـك.
وقـول الملائكـة هـذا ليـس علـى وجـه الاعتـراض علـى الله ، ولا علـى وجـه الحسـد لبنـي آدم كمـا قـد يتوهمـه بعـض المفسـرين، وقـد وصفهـم الله تعالـى بأنهـم لا يسـبقونه بالقـول أي لا يسـألونه شـيئاً لـم يـأذن لهـم فيـه، وههنـا لمـا أعلمهـم بأنـه سـيخلق فـي الأرض خلقـاً وقـد تقـدم إليهـم أنهـم يفسـدون فيهـا فقالـوا: (( أتجعـل فيهـا مـن يفسـد فيهـا ويسـفك الدمـاء )) ؟ الآيـة. وإنمـا هـو سـؤال اسـتعلام واسـتكشـاف عـن الحكمـة فـي ذلـك.
يقولـون: يـا ربنـا مـا الحكمـة فـي خلـق هـؤلاء، مـع أن منهـم مـن يفسـد فـي الأرض ويسـفك الدمـاء ؟ فـإن كـان المـراد عبادتـك فنحـن نسـبح بحمـدك ونقـدس لـك، أي نصلـي لـك ولا يصـدر منـا شـيء مـن ذلـك، وهـلا وقـع الاقتصـار علينـا ؟
قـال الله تعالـى مجيبـاً عـن هـذا السـؤال: (( إنـي أعلـم مـا لا تعلمـون )) ، أي إنـي أعلـم المصلحـة الراجحـة فـي خلـق هـذا الصنـف علـى المفاسـد التـي ذكرتموهـا مـا لا تعلمـون أنتـم، فإنـي سـأجعل فيهـا الأنبيـاء، وأرسـل فيهـا الرسـل، ويوجـد منهـم الصديقـون والشـهداء والصالحـون، والعُبَّـاد والزهـاد، والأوليـاء والأبـرار، والمقربـون، والعلمـاء العاملـون ، والخاشـعون والمحبـون لـه تبـارك وتعالـى، المتبعـون رسـله صلـوات الله وسـلامه عليهـم.
وقيـل: معنـى قولـه تعالـى: (( إنـي أعلـم مـا لا تعلمـون )) إنـي لـي حكمـة مفصلـة فـي خلـق هـؤلاء والحالـة مـا ذكرتـم لا تعلمونهـا.
وقيـل: إنـه جـواب (( ونحـن نسـبح بحمـدك ونقـدس لـك )) ، فقـال: (( إنـي أعلـم مـا لا تعلمـون )) أي مـن وجـود إبليـس بينكـم وليـس هـم كمـا وصفتـم أنفسـكم بـه.
وقيـل: بـل تضمـن قولهـم: (( أتجعـل فيهـا مـن يفسـد فيهـا ويسـفك الدمـاء ونحـن نسـبح بحمـدك ونقـدس لـك )) ، طلبـاً منهـم أن يسـكنوا الأرض بـدل بنـي آدم، فقـال الله تعالـى لهـم: (( إنـي أعلـم مـا لا تعلمـون )) مـن أن بقاءكـم فـي السـماء أصلـح لكـم وأليـق بكـم. ذكرهـا الـرازي مـع غيـره مـن الأجوبـة والله أعلـم.

( ذكـر أقـوال المفسـرين )

قـال السـدي فـي تفسـيره: إن الله تعالـى قـال للملائكـة إنـي جاعـل فـي الأرض خليفـة، قالـوا: ربنـا ومـا يكـون ذاك الخليفـة ؟ قـال: يكـون لـه ذريـة يفسـدون فـي الأرض، ويتحاسـدون، ويقتـل بعضهـم بعضـاً.
قـال ابـن جريـر: وإنمـا معنـى الخلافـة التـي ذكرهـا الله إنمـا هـي خلافـة قـرن منهـم قرنـاً. قـال: والخليفـة الفعليـة مـن قولـك: خلـف فـلان فلانـاً فـي هـذا الأمـر، إذا قـام مقامـه فيـه بعـده، كمـا قـال تعالـى: (( ثـم جعلناكـم خلائـف فـي الأرض مـن بعدهـم لننظـر كيـف تعملـون )) . ومـن ذلـك قيـل للسـلطان الأعظـم خليفـة، لأنـه خلـف الـذي قبلـه فقـام بالأمـر فكـان منـه خلفـاً.
قـال ابـن جريـر عـن ابـن عبـاس: إن أول مـن سـكن الأرض الجـن، فأفسـدوا فيهـا، وسـفكوا فيهـا الدمـاء، وقتـل بعضهـم بعضـاً. قـال: فبعـث الله إليهـم إبليـس، فقتلهـم إبليـس ومـن معـه حتـى ألحقهـم بجزائـر البحـور وأطـراف الجبـال ثـم خلـق آدم فأسـكنه إياهـا، فلذلـك قـال: (( إنـي جاعـل فـي الأرض خليفـة )) .
وقـال الحسـن: إن الجـن كانـوا فـي الأرض يفسـدون ويسـفكون الدمـاء، ولكـن جعـل الله فـي قلوبهـم ( الضميـر فـي كلمـة قلوبهـم يعـود علـى الملائكـة لا علـى الجـن فتنبـه ) أن ذلـك سـيكون، فقالـوا بالقـول الـذي علمهـم.
وقـال قتـادة فـي قولـه ((أتجعـل فيهـا مـن يفسـد فيهـا )) : كـان الله أعلمهـم أنـه إذا كـان فـي الأرض خلـق أفسـدوا فيهـا وسـفكوا الدمـاء، فذلـك حيـن قالـوا: (( أتجعـل فيهـا مـن يفسـد فيهـا ويسـفك الدمـاء )) ؟
قـال ابـن جريـر: وقـال بعضهـم إنمـا قالـت الملائكـة مـا قالـت (( أتجعـل فيهـا مـن يفسـد فيهـا ويسـفك الدمـاء )) لأن الله أذن لهـم فـي السـؤال عـن ذلـك بعـد مـا أخبرهـم أن ذلـك كائـن مـن بنـي آدم، فسـألته الملائكـة فقالـت علـى التعجـب منهـا: وكيـف يعصونـك يـا رب وأنـت خالقهـم ؟ فأجابهـم ربهـم (( إنـي أعلـم مـا لا تعلمـون )) ، يعنـي أن ذلـك كائـن منهـم، وإن لـم تعلمـوه أنتـم ومـن بعـض مـا ترونـه لـي طائعـاً، قـال، وقـال بعضهـم ذلـك مـن الملائكـة علـى وجـه الاسـترشـاد عمـا لـم يعلمـوا مـن ذلـك، فكأنهـم قالـوا: يـا رب خبرنـا _ مسـألة اسـتخبار منهـم لا علـى وجـه الإنكـار _ واختـاره ابـن جريـر.
وقولـه تعالـى (( ونحـن نسـبح بحمـدك ونقـدس لـك )) ، قـال قتـادة: التسـبيح والتقديـس الصـلاة.
وقـال السـدي عـن ابـن عبـاس (( ونحـن نسـبح بحمـدك ونقـدس لـك )) : نصلـي لـك.
وقـال مجاهـد (( ونحـن نسـبح بحمـدك ونقـدس لـك )) ، قـال: نعظمـك ونكبـرك.
وقـال ابـن جريـر: التقديـس هـو التعظيـم والتطهيـر.
ومنـه قولهـم: سـبوح قـدوس، يعنـي بقولهـم سـبوح تنزيـه لـه، وبقولهـم قـدوس طهـارة وتعظيـم لـه. وكذلـك قيـل لـلأرض: أرض مقدسـة، يعنـي بذلـك المطهـرة.
فمعنـى قـول الملائكـة إذن (( ونحـن نسـبح بحمـدك )) : ننزهـك ونبرئـك ممـا يضيفـه إليـك أهـل الشـرك بـك، (( ونقـدس لـك )) ننسـبك إلـى مـا هـو مـن صفاتـك مـن الطهـارة مـن الأدنـاس ومـا أضـاف إليـك أهـل الكفـر بـك.
عـن أبـي ذر رضـي الله عنـه أن رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم سـئل أي الكـلام أفضـل ؟ قـال: {{ مـا اصطفـى الله لملائكتـه: سـبحان الله وبحمـده )).
وروي أن رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم ليلـة أسـري بـه سـمع تسـبيحـاً فـي السـماوات العـلا {{ سـبحان العلـي الأعلـى سـبحانه وتعالـى }} .
قـال قتـادة: فكـان فـي علـم الله أنـه سـيكون فـي تلـك الخليقـة أنبيـاء ورسـل وقـوم صالحـون وسـاكنوا الجنـة.
وقـد اسـتدل القرطبـي وغيـره بهـذه الآيـة علـى وجـوب نصـب الخليفـة، ليفصـل بيـن النـاس فيمـا اختلفـوا فيـه، ويقطـع تنازعهـم وينتصـر لمظلومهـم مـن ظالمهـم، ويقيـم الحـدود، ويزجـر عـن تعاطـي الفواحـش إلـى غيـر ذلـك مـن الأمـور المهمـة التـي لا تمكـن إقامتهـا إلا بالإمـام، ومـا لا يتـم الواجـب إلا بـه فهـو واجـب. والإمامـة تنـال بالنـص كمـا يقولـه طائفـة مـن أهـل السـنة فـي أبـي بكـر . أو بالإيمـاء إليـه كمـا يقـول آخـرون منهـم، أو باسـتخلاف الخليفـة آخـر بعـده كمـا فعـل الصِّـديق بـ عـمـر بـن الخطـاب، أو بتركـه شـورى فـي جماعـة صالحيـن كذلـك كمـا فعـل عـمـر، أو باجتمـاع أهـل الحـل والعقـد علـى مبايعتـه أو مبايعتـه واحـد منهـم لـه، فيجـب التزامهـا عنـد الجمهـور، وحكـى علـى ذلـك إمـام الحرميـن الإجمـاع، والله أعلـم.
ويجـب أن يكـون ذكـراً، حـراً، بالغـاً، عاقـلاً، مسـلماً، عـدلاً، مجتهـداً، بصيـراً، سـليم الأعضـاء، خبيـراً بالحـروب والآراء، قرشـياً علـى الصحيـح، ولا يشـترط الهاشـمي ولا المعـصـوم مـن الخطـأ خلافـاً للغـلاة والروافـض.
ولـو فسـق الإمـام هـل ينعـزل أم لا ؟ فيـه خـلاف، والصحيـح أنـه لا ينعـزل لقولـه عليـه الصـلاة والسـلام: {{ إلا أن تـروا كفـراً بواحـاً عندكـم مـن الله فيـه برهـان }} ، ( كفـراً بواحـاً : قـال ابـن أثيـر: أي جهـاراً مـن بـاح بالشـيء يبـوح بـه إذا أعلنـه ) .
فإمـا نصـب إماميـن فـي الأرض أو أكثـر فـلا يجـوز لقولـه عليـه الصـلاة والسـلام: {{ مـن جاءكـم وأمركـم جميـعٌ يريـد أن يفـرق بينكـم فاقتلـوه كائنـاً مـن كـان }} وهـذا قـول الجمهـور.

مختصـر ابـن كثيـر / الصفحـة 47 ، 48 ، 49 ، 50 ، 51 /

يتبـع إن شـاء الله ...
***************************
الوردة القرمزية
بسـم الله الرحمـن الرحيـم

(( وعـَّلـم آدم الأسـماء كلهـا ثـم عرضهـم علـى الملائكـة فقـال أنبئُونـي بأسـماء هـؤلاء إن كنتـم صادقيـن  قالـوا سـبحانك لا علـم لنـا إلا مـا علمتنـا إنـك أنـت العليـم الحكيـم  قـال يـا آدم أنبئهـم بأسـمائهم فلمـا أنبأهـم بأسـمائهم قـال ألـم أقـل لكـم إنـي أعلـم غيـب السـموات والأرض وأعلـم مـا تبـدون ومـا كنتـم تكتمـون )) / 33 /

هـذا مقـام ذكـر الله تعالـى فيـه شـرَّف آدم علـى الملائكـة، بمـا اختصـه مـن علـم أسـماء كـل شـيء دونهـم، وهـذا كـان بعـد سـجودهم لـه، وإنمـا قـدم هـذا الفصـل علـى ذاك لمناسـبة مـا بيـن هـذا المقـام وعـدم علمهـم بحكمـة خلـق الخليفـة، حيـن سـألوا عـن ذلـك فأخبرهـم تعالـى بأنـه يعلـم مـا لا تعلمـون، لهـذا ذكـر الله هـذا المقـام عقيـب هـذا ليبيّـن لهـم شـرف آدم بمـا فضـل عليهـم مـن العلـم، فقـال تعالـى: (( وعلَّـم آدم الأسـماء كلهـا )) .
قـال السـدي عـن ابـن عبـاس: (( وعلـم آدم الأسـماء كلهـا )) علمـه أسـماء ولـده إنسـاناً إنسـاناً، والـدواب فقيـل هـذا الحمـار، هـذا الجمـل، هـذا الفـرس.
وقـال الضحـاك عـن ابـن عبـاس (( وعلـم آدم الأسـماء كلهـا )) قـال: هـي هـذه الأسـماء التـي يتعـارف بهـا النـاس: إنسـان، ودواب، وسـماء، وأرض، وسـهل، وبحـر، وخيـل، وحمـار، وأشـباه ذلـك مـن الأمـم وغيرهـا.
وقـال مجاهـد (( وعـلـم آدم الأسـماء كلهـا )) : عـلمـه اسـم كـل دابـة، وكـل طيـر، وكـل شـيء. وكذلـك روي عـن سـعيد بـن جبيـر وقتـادة وغـيرهـم مـن السـلف أنـه عـلمـه أسـماء كـل شـيء.
والصحيـح أنـه عـلمـه أسـماء الأشـياء كلهـا ذواتهـا وصفاتهـا وأفعالهـا.
ولهـذا قـال البخـاري فـي تفسـير هـذه الآيـة عـن أنـس عـن النبـي صلـى الله عليـه وسـلم قـال: {{ يجتمـع المؤمنـون يـوم القيامـة فيقولـون لـو اسـتشـفعنا إلـى ربنـا فيأتـون آدم فيقولـون أنـت أبـو النـاس خلقـك الله بيـده وأسـجد لـك الملائكـة، وعـلَّمـك أسـماء كـل شـيء، فأشـفع لنـا إلـى ربـك حتـى يريحنـا مـن مكاننـا هـذا }} الحديـث. فـدل هـذا علـى أنـه عـلمـه أسـماء جميـع المخلوقـات ولهـذا قـال: (( ثـم عرضهـم علـى الملائكـة )) يعـنـي المسـميات (( فقـال أنبؤنـي بأسـماء هـؤلاء إن كنتـم صادقيـن )) .
قـال مجاهـد: ثـم عـرض أصحـاب الأسـماء عـلـى الملائكـة.
وقـال ابـن جريـر عـن الحسـن وقتـادة قـالا: عـلّمـه اسـم كـل شـيء، وجعـل يسـمي كـل شـيء باسـمه وعرضـت عليـه أمـة أمـة، وبهـذا الإسـناد عـن الحسـن وقتـادة فـي قولـه تعالـى (( إن كنتـم صادقيـن )) أن بنـي آدم يفسـدون فـي الأرض ويسـفكون الدمـاء، (( قالـوا سـبحانك لا عـلـم لنـا إلا مـا عـلمتنـا إنـك أنـت العليـم الحكيـم )) هـذا تقديـس وتنزيـه مـن الملائكـة لله تعالـى أن يحيـط أحـد بشـيء مـن عـلمـه إلا بمـا شـاء، وأن يعـلمـوا شـيئاً إلا مـا عـلمهـم الله تعالـى ولهـذا قالـوا: (( سـبحانك لا عـلـم لنـا إلا مـا عـلمتنـا إنـك أنـت العـليـم الحكيـم )) أي العـليـم بكـل شـيء الحكيـم فـي خلقـك وأمـرك، وفـي تعـليمـك مـا تشـاء ومنعـك مـا تشـاء، لـك الحكمـة فـي ذلـك والعـدل التـام. عـن ابـن عبـاس (( سـبحان الله )) قـال: تنزيـه الله نفسـه عـن السـوء.
قولـه تعالـى: (( قـال يـا آدم أنبئهـم بأسـمائهم قـال ألـم أقـل لكـم إنـي أعـلـم غـيـب السـموات والأرض وأعـلـم مـا تبـدون ومـا كنتـم تكتمـون )) أي ألـم أتقـدم إليكـم أنـي أعلـم الغيـب الظاهـر والخفـي، كمـا قـال تعالـى: (( وإن تجهـر بالقـول فإنـه يعلـم السـر وأخفـى )) ، وكمـا قـال إخبـاراً عـن الهدهـد أنـه قـال لسـليمان: (( ألا يسـجدوا لله الـذي يخـرج الخَـبْءَ فـي السـموات والأرض ويعـلـم مـا تخفـون ومـا تعـلنـون )) .
وعـن ابـن عـبـاس (( وأعـلـم مـا تبـدون ومـا كنتـم تكتمـون )) : أعـلـم السـر كمـا أعـلـم العلانيـة، يعنـي مـا كتـم إبليـس فـي نفسـه مـن الكبـر والاغتـرار.
وقـال أبـو جعـفـر الـرازي فـي الربيـع بـن أنـس (( وأعـلـم مـا تبـدون ومـا كنتـم تكتمـون )) فكـان الـذي أبـدوا هـو قولهـم : (( أتجعـل فيهـا مـن يفسـد فيهـا ويسـفك الدمـاء )) وكـان الـذي كتمـوا بينهـم هـو قولهـم: لـن يخلـق ربنـا خلقـاً إلا كنـا أعـلـم منـه وأكـرم. فعـرفـوا أن الله فضَّـل عـليهـم آدم فـي العـلـم والكـرم.
وقـال ابـن جريـر: وأولـى الأقـوال فـي ذلـك قـول ابـن عـبـاس، وهـو أن معـنـى قولـه تعالـى (( وأعـلـم مـا تبـدون )) : وأعـلـم مـع عـلمـي غـيـب السـماوات والأرض مـا تظهرونـه بألسـنتكم ومـا كنتـم تخفـون فـي أنفسـكم فـلا يخفـى عـلـي شـيء سـواء عـنـدي سـرائركم وعلانيتكـم. والـذي أظهـروه بألسـنتهم قولهـم أتجعـل فيهـا مـن يفسـد فيهـا، والـذي كانـوا يكتمـون مـا كـان عـليـه منطويـاً إبليـس مـن الخـلاف عـلـى الله وأوامـره والتكبـر عـن طاعـتـه، قـال: وصـح ذلـك كمـا تقـول العـرب: قتـل الجيـش وهزمـوا، وإنمـا قتـل الواحـد أو البعـض وهـزم الواحـد أو البعـض، فيخـرج الخبـر عـن المهـزوم منـه والمقتـول مخـرج الخبـر عـن جميعهـم، وكمـا قـال تعالـى: (( إن الذيـن ينادونـك مـن وراء الحجـرات )) ذُكِـر أن الـذي نـادى إنمـا كـان واحـداً مـن بنـي تميـم، قـال وكذلـك قولـه: (( وأعـلـم مـا تبـدون ومـا كنتـم تكتمـون )) .

(( وإذ قلنـا للملائكـة اسـجدوا لآدم فسـجدوا إلا إبليـس أبـى واسـتكبر وكـان مـن الكافريـن )) /34 / وهـذه كرامـة عـظيمـة مـن الله تعالـى لآدم أمتَـنَّ بهـا عـلـى ذريتـه، حيـث أخبـر أنـه تعالـى أمـر الملائكـة بالسـجود لآدم، وقـد دل علـى ذلـك أحاديـث أيضـاً كثيـرة منهـا حديـث الشـفاعة المتقـدم، وحديـث موسـى عـليـه السـلام: {{{ رب أرنـي آدم الـذي أخرجنـا ونفسـه مـن الجنـة، فلمـا اجتمـع بـه قـال: أنـت آدم الـذي خلقـه الله بيـده ونفـخ فيـه مـن روحـه وأسـجد لـه الملائكتـه ؟ }}} قـال وذكـر الحديـث كمـا سـيأتي إن شـاء الله.
والغـرض أن الله تعالـى لمـا أمـر الملائكـة بالسـجود لآدم دخـل إبليـس فـي خطابهـم، لأنـه وإن لـم يكـن عنصرهـم إلا أنـه كـان قـد تشـبه بهـم وتوسـم أفعالهـم، فلهـذا دخـل فـي الخطـاب لهـم وذم فـي الأمـر.
قـال طـاووس عـن ابـن عـبـاس: كـان إبليـس قبـل أن يركـب المعـصيـة مـن الملائكـة اسـمه ( عزرايـل ) وكـان مـن سـكان الأرض، وكـان مـن أشـد الملائكـة اجتهـاداً، وأكثرهـم علمـاً، فذلـك دعـاه إلـى الكبـر، وكـان مـن حـيٍّ يسـمون جنـاً.
قـال سـعـيد بـن المسـيب: كـان إبليـس رئيـس ملائكـة سـماء الدنيـا.
وقـال ابـن جريـر عـن الحسـن: مـا كـان إبليـس مـن الملائكـة طرفـة عيـن قـط وإنـه لأصـل الجـن، كمـا أن آدم أصـل الإنـس، وهـذا إسـناد صحيـح عـن الحسـن.
وقـال شـهر ابـن حوشـب: كـان إبليـس مـن الذيـن طردتهـم الملائكـة فأسـره بعـض الملائكـة فذهـب بـه إلـى السـماء، رواه ابـن جريـر.
وعـن سـعد بـن مسـعود قـال: كانـت الملائكـة تقاتـل الجـن فسـبي إبليـس وكـان صغيـراً فكـان مـع الملائكـة يتعبـد معهـا فلمـا أُمـروا بالسـجود لآدم سـجدوا فأبـى إبليـس فلذلـك قـال تعالـى: (( إلا إبليـس كـان مـن الجـن )) .
وقـال أبـو جعفـر: (( وكـان مـن الكافريـن )) يعنـي مـن العاصيـن.
وقـال قتـادة فـي قولـه تعالـى (( وإذ قلنـا للملائكـة اسـجدوا لآدم )) : فكانـت الطاعـة لله والسـجدة لآدم، وأكـرم الله آدم أن أسـجد لـه ملائكتـه.
وقـال بعـض النـاس: كـان هـذا سـجود تحيـة وسـلام وإكـرام كمـا قـال تعالـى: (( ورفـع أبويـه علـى العـرش وخـروا سـجداً )) ، وقـد كـان هـذا مشـروعاً فـي الأمـم الماضيـة ولكنـه نسـخ فـي ملتنـا.
قـال معـاذ: ( قدمـت الشـام فرأيتهـم يسـجدون لأسـاقفتهم وعلمائهـم فأنـت يـا رسـول الله أحـق أن يسـجد لـك، فقـال: {{ لا، لـو كنـت آمـراً بشـراً أن يسـجد لبشـر لأمـرت المـرأة أن تسـجد لزوجهـا مـن عظـم حقـه عليهـا }} ) ورجحـه الـرازي.
وقـال بعضهـم: بـل كانـت السـجدة لله وآدم قبلـة فيهـا، والأظهـر أن القـول الأول أولـى والسـجدة لآدم كانـت إكرامـاً وإعظامـاً واحترامـاً وسـلاماً، وهـي طاعـة لله عـزّ وجـلّ لأنهـا امتثـال لأمـره تعالـى، وقـد قـوّاه الـرازي فـي تفسـيره وضعَّـف مـا عـداه مـن القوليـن الآخريـن، وهمـا: كونـه جعـل قبلـة إذ لا يظهـر فيـه شـرف، والآخـر أن المـراد بالسـجود الخضـوع لا الانحنـاء ووضـع الجبهـة علـى الأرض، وهـو ضعيـف كمـا قـال.
وقـال قتـادة فـي قولـه تعالـى (( فسـجدوا إلا إبليـس أبـى واسـتكبر وكـان مـن الكافريـن )) : حسـد عـدوّ الله إبليـس آدم عليـه السـلام علـى مـا أعطـاه الله مـن الكرامـة وقـال: أنـا نـاري وهـذا طينـي، وكـان بـدء الذنـوب الكبـر، اسـتكبر عـدوّ الله أن يسـجد لآدم عليـه السـلام.
قلـت: وقـد ثبـت فـي الصحيـح: {{ لا يدخـل الجنـة مـن كـان فـي قلبـه مثقـال حبـة مـن خـردل مـن الكبـر }} ، وقـد كـان فـي قلـب إبليـس مـن الكبـر، والكفـر، والعنـاد مـا اقتضـى طـرده وإبعـاده عـن جنـاب الرحمـة وحضـرة القـدس.
قـال بعـض المعربيـن: (( وكـان مـن الكافريـن )) : أي وصـار مـن الكافريـن بسـبب امتناعـه، كمـا قـال: (( فكـان مـن المغرقيـن )) ، وقـال: (( فتكونـا مـن الظالميـن )).
وقـال ابـن فـورك تقديـره: وقـد كـان فـي عـلـم الله مـن الكافريـن، ورجَّحـه القرطبـي، وذكـر ههنـا مسـألة فقـال، قـال عـلماؤنـا: مـن أظهـر الله علـى يديـه ممـن ليـس بنبـي كرامـات وخـوارق للعـادات فليـس ذلـك دالاً علـى ولايتـه خلافـاً لبعـض الصوفيـة والرافضـة.
قلـت: وقـد اسـتدل بعضهـم علـى أن الخـارق قـد يكـون علـى أيـدي غيـر الولـي، بـل قـد يكـون علـى يـد الفاجـروالكافـر أيضـاً بمـا ثبـت عـن ابـن صيـاد أنـه قـال: هـو الـدخ، حيـن خبـأ لـه رسـول الله صلـى الله عـليـه وسـلم: (( فارتقـب يـوم تـأتِ السـماء بدخـان مبيـن )) وبمـا كـان يصـدر عنـه، أنـه يمـلأ الطريـق إذا غـضـب حتـى ضربـه عـبـد الله بـن عـمـر.
وبمـا ثبتـت بـه الأحاديـث عـن الدجـال بمـا يكـون عـلـى يديـه مـن الخـوارق الكثيـرة، مـن أنـه يأمـر السـماء أن تمطـر فتمطـر، والأرض أن تنبـت فتنبـت، وتتبعـه كنـوز الأرض مثـل اليعاسـيب، وأنـه يقتـل ذلـك الشـاب ثـم يحييـه، إلـى غـيـر ذلـك مـن الأمـور المهولـة.
وكـان الليـث ابـن سـعـد يقـول: إذا رأيتـم الرجـل يمشـي عـلـى المـاء ويطيـر فـي الهـواء فـلا تغـتـروا بـه حتـى تعـرضـوا أمـره عـلـى الكتـاب والسـنّة.

مختصـر ابـن كثيـر / الصفحـة 51 ، 52 ، 53 ، 54 /

يتبـع إن شـاء الله ...
**************************************
الوردة القرمزية
بسـم الله الرحمـن الرحيـم

(( وقلنـا يـا آدم اسـكن أنـت وزوجـك الجنـة وكُـلا منهـا رغـداً حيـث شـئتما ولا تقربـا هـذه الشـجرة فتكونـا مـن الظالميـن  وفأزلّهمـا الشـيطان عنهـا فأخرجهمـا ممـا كانـا فيـه وقلنـا اهبطـوا بعضكـم لبعـضٍ عـدوٌّ ولكـم فـي الأرض مسـتقر ومتـاعٌ إلـى حيـنٍ )) / 36 /

يبيـن الله تعالـى إخبـاراً عمـا أكـرم بـه آدم ، بعـد أن أمـر الملائكـة بالسـجود لـه فسـجدوا إلا إبليـس انـه أباحـه الجنـة يسـكن منهـا حيـث يشـاء ويأكـل منهـا مـا شـاء ( رغـداً ) أي هنيئـاً واسـعاً، طيبـاً. وقـد اختلـف فـي الجنـة التـي أسـكنها آدم هـي فـي السـماء أم فـي الأرض ؟ فالأكثـرون علـى الأول، وحكـى القرطبـي عـن المعتزلـة والقدريـة القـول بأنهـا فـي الأرض، وسـيأتي تقريـر ذلـك فـي سـورة الأعـراف إن شـاء الله تعالـى، وسـياق الآيـة يقتضـي أن حـواء خلقـت قبـل دخـول آدم الجنـة.
ويقـال: إن خلـق حـواء كـان بعـد دخـول الجنـة كمـا قـال السـدي فـي خبـر ذكـره عـن ابـن عبـاس وعـن نـاس مـن الصحابـة { أخـرج إبليـس مـن الجنـة وأسـكن آدم الجنـة، فكـان يمشـي فيهـا وحيـداً ليـس لـه زوج يسـكن إليـه، فنـام نومـة فاسـتيقظ وعنـد رأسـه امـرأة قاعـدة خلقهـا الله مـن ضلعـه، فسـألها: مـا أنـت ؟ قالـت: امـرأة، قـال: ولـم خلقـت ؟ قالـت: لتسـكن إلـيّ، قالـت لـه الملائكـة ينظـرون مـا بلـغ عـن علمـه: مـا اسـمها يـا آدم ؟ قـال: حـواء، قالـوا: ولـم حـواء ؟ قـال: إنهـا خلقـت مـن شـيء حـي } .

وأمـا قولـه : (( ولا تقربـا هـذه الشـجرة )) فهـو اختبـار مـن الله تعالـى وامتحـان لآدم. وقـد اختلـف فـي هـذه الشـجرة مـا هـي ؟
فقـال السـدي عـن ابـن عبـاس: الشـجرة التـي نهـي عنهـا آدم عليـه السـلام هـي الكـرم .
وتزعـم يهـود أنهـا الحنطـة .
وقـال ابـن جريـر عـن ابـن عبـاس: الشـجرة التـي نهـي عنهـا آدم عليـه السـلام هـي السـنبلة .
وقـال ابـن جريـر بسـنده: حدثنـي رجـل مـن بنـي تميـم أن ابـن عبـاس كتـب إلـى أبـي الجلـد يسـأله عـن الشـجرة التـي أكـل منهـا آدم، والشـجرة التـي تـاب عندهـا آدم، فكتـب إليـه أبـو الجلـد إليـه أبـو الجلـد: سـألتني عـن الشـجرة التـي نهـي عنهـا عنهـا آدم وهـي السـنبلة، وسـألتني عـن الشـجرة التـي تـاب عندهـا آدم وهـي الزيتونـة.
وقـال سـفيان الثـوري عـن ابـن مالـك (( ولا تقربـا هـذه الشـجرة )) : النخلـة .
وقـال ابـن جريـر عـن مجاهـد (( ولا تقربـا هـذه لاشـجرة )) : التينـة .
قـال الإمـام العلامـة أبـو جعفـر بـن جريـر رحمـه الله : والصـواب فـي ذلـك أن يقـال: إن الله عـز وجـلّ ثنـاؤه نهـى أدم وزوجتـه عـن أكـل شـجرة بعينهـا مـن أشـجار الجنـة دون سـائر أشـجارها فأكـلا منهـا، ولا علـم عندنـا بـأي شـجرة كانـت علـى التعييـن، لأن الله لـم يضـع لعبـاده دليـلاً علـى ذلـك فـي القـرآن ولا مـن السـنة الصحيحـة.
وقـد قيـل: كانـت شـجرة البـر، وقيـل: كانـت شـجرة العنـب .
وقيـل: كانـت شـجرة التيـن .
وجائـز أن تكـون واحـدة منهـا وذلـك عِلـمٌ إذا عُلِـم لـم ينفـع العالـم بـه علمـه، وإن جهلـه جاهـل لـم يضـره جهلـه بـه والله أعلـم .

وقولـه تعالـى: (( فأزلّهمـا الشـيطان عنهـا )) يصـح أن يكـون الضميـر فـي قولـه ( عنهـا ) عائـداً إلـى الجنـة، فيكـون معنـى الكـلام فأزلهمـا أي فنحاهمـا، ويصـح أن يكـون عائـداً علـى أقـرب المذكوريـن وهـو الشـجرة فيكـون معنـى الكـلام فأزلهمـا أي مـن قبـل الزلـل، فعلـى هـذا يكـون تقديـر الكـلام (( فأزلّهمـا الشـيطان عنهـا )) أي بسـببها، وكمـا قـال تعالـى: (( يؤفـك عنـه مـن أفـك )) أي يصـرف بسـببه مـن هـو مأفـوك، ولهـذا قـال تعالـى: (( فأخرجهمـا ممـا كانـا فيـه )) أي مـن اللبـاس والمنـزل الرحـب والـرزق الهنـيء والراحـة .
(( وقلنـا اهبطـوا بعضكـم لبعـض عـدوٌّ ولكـم فـي الأرض مسـتقر ومتـاع إلـى حيـن )) أي قـرار وأرزاق وآجـال ( إلـى حيـن ) أي إلـى وقـت مؤقـت ومقـدار معيّـن ثـم تقـوم القيامـة، وقـد ذكـر المفسـرون مـن السـلف كالسـدي بأسـنيده، وأبـي العاليـة، ووهـب بـن منبـه وغيرهـم، ههنـا أخبـاراً إسـرائيليـة عـن قصـة الحيـة وإبليـس، وكيـف جـرى مـن دخـول إبليـس إلـى الجنـة ووسـوسـته، وسـنبسـط ذلـك إن شـاء الله فـي سـورة الأعـراف فهنـاك القصـة أبسـط منهـا ههنـا والله الموفـق.
فـإن قيـل: فـإذا كانـت جنـة آدم التـي أُخـرج منهـا فـي السـماء كمـا يقولـه الجمهـور مـن العلمـاء فكيـف تمكـن إبليـس مـن دخـول الجنـة وقـد طرد مـن هنالك؟
وأجـاب الجمهـور بأجوبـة، أحدهـا أنـه منـع مـن دخـول الجنـة مكرمـاً، فأمـا علـى وجـه السـرقة والإهانـة فـلا يمتنـع.
ولهـذا قـال بعضهـم _ كمـا فـي التـوراة _ إنـه دخـل فـي فـم الحيـة إلـى الجنـة .
وقـد قـال بعضهـم: يحتمـل أنـه وسـوس لهمـا وهـو خـارج بـاب الجنـة .
وقـال بعضهـم: يحتمـل أنـه وسـوس لهمـا وهـو فـي الأرض وهمـا فـي السـماء . ذكرهـا الزمخشـري وغيـره . وقـد أورد ههنـا القرطبـي ههنـا أحاديـث فـي الحيـات وقتلهـن، وبيـان حكـم ذلـك فأجـاد وأفـاد .

(( فتلقـى آدم مـن ربـه كلمـاتٍ فتـاب عليـه إنـه هـو التـواب الرحيـم )) / 37 /

قيـل: إن هـذه الكلمـات مفسـرة بقولـه تعالـى: (( قـالا ربنـا ظلمنـا أنفسـنا وإن لـم تغفـر لنـا وترحمنـا لنكونـن مـن الخاسـرين )) .
وقـال أبـو جعفـر الـرازي عـن الربيـع بـن أنـس عـن أبـي العاليـة فـي قولـه تعالـى: (( فتلقـى آدم مـن ربـه كلمـات فتـاب عليـه )) ، قـال: إن آدم لمـا أصـاب الخطيئـة قـال: أرأيـت يـا رب إن تبـت وأصلحـت ؟ قـال الله: "" إذن أدخلـك الجنـة "" فهـي الكلمـات، ومـن الكلمـات أيضـاً: (( ربنـا ظلمنـا أنفسـنا وإن لـم تغفـر لنـا وترحمنـا لنكونـن مـن الخاسـرين )) .
وعـن مجاهـد أنـه كـان يقـول فـي قـول الله تعالـى: (( فتلقـى آدم مـن ربـه كلمـات فتـاب عليـه )) الكلمـات: ] ، ] ، ] ، وقولـه تعالـى: (( إنـه هـو التـواب الرحيـم )) أي إنـه يتـوب علـى مـن تـاب إليـه وأنـاب كقولـه: (( ألـم يعلمـوا أن الله هـو يقبـل التوبـة عـن عبـاده )) ، وقولـه: (( ومـن يعمـل سـوءاً أو يظلـم نفسـه )) الآيـة، وقولـه: (( ومـن تـاب وعمـل صالحـاً )) وغيـر ذلـك مـن الآيـات الدالـة علـى أنـه تعالـى يغفـر الذنـوب، ويتـوب علـى مـن يتـوب، وهـذا مـن لطفـه بخلقـه ورحمتـه بعبيـده، لا إلـه إلا هـو التـواب الرحيـم .

(( قلنـا اهبطـوا منهـا جميعـاً فإمـا يأتينكـم منـي هـدىً فمـن اتبـع هـداي فـلا خـوف عليهـم ولا هـم يحزنـون  والذيـن كفـروا وكذبـوا بآياتنـا أولئـك أصحـاب النـار هـم فيهـا خالـدون )) / 39 /

يخبـر تعالـى بمـا أنـذر بـه آدم وزوجتـه وإبليـس حيـن أهبطهـم مـن الجنـة، والمـراد الذريـة: أنـه سـينزل الكتـب، ويبعـث الأنبيـاء والرسـل.
كمـا قـال أبـو العاليـة: الهـدى الأنبيـاء والرسـل والبينـات والبيـان .
وقـال مقاتـل بـن حيـان: الهـدى محمـد صلـى الله عليـه وسـلم .
وقـال الحسـن: الهـدى القـرآن، وهـذان القـولان صحيحـان . وقـول أبـو العاليـة أعـم .
(( فمـن تبـع هـداي )) أي مـن أقبـل علـى مـا أنزلـت بـه الكتـب وأرسـلت بـه الرسـل (( فـلا خـوف عليهـم )) أي فيمـا يسـتقبلونـه مـن أمـر الآخـرة (( ولا هـم يحزنـون )) علـى مـا فاتهـم مـن أمـور الدنيـا كمـا قـال فـي سـورة طـه : (( فإمـا يأتينكـم منـي هـدى فمـن تبـع هـداي فـلا يضـل ولا يشـقى )) .
قـال ابـن عبـاس: فـلا يضـل فـي الدنيـا ولا يشـقى فـي الآخـرة : (( ومـن أعـرض عـن ذكـري فـإن لـه معيشـة ضنكـاً ونحشـره يـوم القيامـة أعمـى )) كمـا قـال ههنـا . (( والذيـن كفـروا وكذبـوا بآياتنـا أولئـك أصحـاب النـاؤ هـم فيهـا خالـدون )) أي مخلـدون فيهـا لا محيـد لهـم عنهـا ولا محيـص .
قـال رسـول الله صلـى الله عليـه وسـلم: {{ أمـا أهـل النـار الذيـن هـم أهلهـا فـلا يموتـون فيهـا ولا يحيـون، ولكـن أقـوام أصابتهـم النـار بخطاياهـم فأماتتهـم إماتـة حتـى إذا صـاروا فحمـاً أذنـوا بالشـفاعة }} .
وذكـرُ هـذا الإهبـاط الثانـي لمـا تعلـق بـه مـا بعـده مـن المعنـى المغايـر لـلأول، وزعـم بعضهـم أنـه تأكيـد وتكريـر كمـا يقـال قـم قـم .
وقـال آخـرون: بـل الإهبـاط الأول مـن الجنـة إلـى السـماء الدنيـا، والثانـي مـن السـماء الدنيـا إلـى الأرض، والصحيـح الأول، والله أعلـم .

مختصـر ابـن كثيـر / الصفحـة 54 ، 55 ، 56 /

يتبـع إن شـاء الله ...
**********************************